أَتَوَلَّى دِيوَانَهَا، وَحَمَلَ جَارِيَتَهُ أُمَّ وَلَدِهِ إِلَى دَارِي ; لِتَدْخُلَ الْحَمَّامَ، فَبَقِيَتْ فِي الدَّارِ أَيَّامًا، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ فِي الْخِيَامِ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَعَلَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ، ثُمَّ تَفَرَّقَ النَّاسُ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: اقْعُدْ، فَقَعَدْتُ، فَلَمَّا خَلَا الْمَكَانُ قَالَ لِي: قَدْ آثَرْتُكَ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَإِنَّنِي فِي الْخِيَامِ مَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَفْعَلَ مَا كُنْتُ أَفْعَلُهُ، خُذْ هَذَا الْخُبْزَ، وَاحْمِلْهُ أَنْتَ فِي كُمِّكَ فِي هَذَا الْمَنْدِيلِ، وَاتْرُكِ الْحَمَاقَةَ مِنْ رَأْسِكَ، وَعُدْ إِلَى بَيْتِكَ، فَإِذَا رَأَيْتَ فِي طَرِيقِكَ فَقِيرًا يَقَعُ فِي نَفْسِكَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ، فَاقْعُدْ أَنْتَ بِنَفْسِكَ، وَأَطْعِمْهُ هَذَا الطَّعَامَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، وَكَانَ مَعِي جَمْعٌ كَثِيرٌ، فَفَرَّقْتُهُمْ فِي الطَّرِيقِ ; لِئَلَّا يَرَوْنِي أَفْعَلُ ذَلِكَ، وَبَقِيتُ فِي غِلْمَانِي، فَرَأَيْتُ فِي مَوْضِعٍ إِنْسَانًا أَعْمَى، وَعِنْدَهُ أَوْلَادُهُ وَزَوْجَتُهُ، وَهُمْ مِنَ الْفَقْرِ فِي حَالٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْتُ عَنْ دَابَّتِي إِلَيْهِمْ، وَأَخْرَجْتُ الطَّعَامَ وَأَطْعَمْتُهُمْ إِيَّاهُ، وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: تَجِيءُ غَدًا بُكْرَةً إِلَى دَارِ فُلَانٍ، أَعْنِي دَارِي، وَلَمْ أُعَرِّفْهُ نَفْسِي، فَإِنَّنِي آخُذُ لَكَ مِنْ صَدَقَةِ جَمَالِ الدِّينِ شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبْتُ إِلَيْهِ الْعَصْرَ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مَا الَّذِي فَعَلْتَ فِي الَّذِي قُلْتُ لَكَ؟ فَأَخَذْتُ أَذْكُرُ لَهُ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِدَوْلَتِهِمْ، فَقَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي سَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ، فَذَكَرْتُ لَهُ الْحَالَ، فَفَرِحَ ثُمَّ قَالَ: بَقِيَ أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ لِلرَّجُلِ يَجِيءُ إِلَيْكَ هُوَ وَأَهْلُهُ، فَتَكْسُوهُمْ وَتُعْطِيهِمْ دَنَانِيرَ، وَتُجْرِي لَهُمْ كُلَّ شَهْرٍ دِينَارًا. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُ لِلرَّجُلِ حَتَّى يَجِيءَ إِلَيَّ، فَازْدَادَ فَرَحًا، وَفَعَلْتُ بِالرَّجُلِ مَا قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ يَصِلُ إِلَيْهِ رَسْمُهُ حَتَّى قُبِضَ. وَلَهُ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِثِيَابِهِ مِنْ عَلَى بَدَنِهِ فِي بَعْضِ السِّنِينَ الَّتِي تَعَذَّرَتِ الْأَقْوَاتُ فِيهَا.
ذِكْرُ إِجْلَاءِ الْقَارْغَلِّيَّةِ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ
كَانَ خَانْ خَانَانِ الصِّينِيُّ مَلِكُ الْخَطَا قَدْ فَوَّضَ وِلَايَةَ سَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى إِلَى الْخَانْ جَغْرِي خَانْ بْنِ حَسَنِ تَكِينَ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، قَدِيمِ الْأُبُوَّةِ، فَبَقِيَ فِيهَا مُدَبِّرًا لِأُمُورِهَا، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلِكُ الْخَطَا بِإِجْلَاءِ الْأَتْرَاكِ الْقَارْغِلِّيَّةِ مِنْ أَعْمَالِ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ إِلَى كَاشْغِرَ، وَأَنْ يَتْرُكُوا حَمْلَ السِّلَاحِ، وَيَشْتَغِلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ، فَتَقَدَّمَ جَغْرِي خَانْ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ، فَامْتَنَعُوا، فَأَلْزَمَهُمْ وَأَلَحَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute