عَلَيْهِمْ بِالِانْتِقَالِ، فَاجْتَمَعُوا وَصَارَتْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً، فَكَثُرُوا، وَسَارُوا إِلَى بُخَارَى، فَأَرْسَلَ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَازَةَ، رَئِيسُ بُخَارَى، إِلَى جَغْرِي خَانْ يُعْلِمُهُ ذَلِكَ وَيَحُثُّهُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ بِعَسَاكِرِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْظُمَ شَرُّهُمْ، وَيَنْهَبُوا الْبِلَادَ.
وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ مَازَةَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ الْكُفَّارَ بِالْأَمْسِ لَمَّا طَرَقُوا هَذِهِ الْبِلَادَ امْتَنَعُوا عَنِ النَّهْبِ وَالْقَتْلِ، وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، غُزَاةٌ، يَقْبُحُ مِنْكُمْ مَدُّ الْأَيْدِي إِلَى الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ، وَأَنَا أَبْذُلُ لَكُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا تَرْضَوْنَ بِهِ لِتَكُفُّوا عَنِ النَّهْبِ وَالْغَارَةِ، فَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمْ فِي تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ، وَابْنُ مَازَةَ يُطَاوِلُ بِهِمْ وَيُمَادِي الْأَيَّامَ إِلَى أَنْ وَصَلَ جَغْرِي خَانْ، فَلَمْ يَشْعُرِ الْأَتْرَاكُ الْقَارْغَلِّيَّةُ إِلَّا وَقَدْ دَهَمَهُمْ جَغْرِي خَانْ فِي جُيُوشِهِ بَغْتَةً وَوَضَعَ السَّيْفَ فِيهِمْ. فَانْهَزَمُوا، وَتَفَرَّقُوا، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ وَالنَّهْبُ. وَاخْتَفَى طَائِفَةٌ فِي الْغِيَاضِ وَالْآجَامِ، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمْ أَصْحَابُ جَغْرِي خَانْ فَقَطَعُوا دَابِرَهُمْ، وَدَفَعُوا عَنْ بُخَارَى وَنَوَاحِيهَا ضَرَرَهُمْ، وَخَلَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ مِنْهُمْ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ سُنْقُرَ عَلَى الطَّالْقَانِ وَغَرْشِسْتَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَوْلَى الْأَمِيرُ صَلَاحُ الدِّينِ سُنْقُرُ، وَهُوَ مِنْ مَمَالِيكِ السَّنْجَرِيَّةِ، عَلَى بِلَادِ الطَّالْقَانِ، وَأَغَارَ عَلَى حُدُودِ غَرْشِسْتَانَ، وَتَابَعَ الْغَارَاتِ عَلَيْهَا حَتَّى مَلَكَهَا، فَصَارَتِ الْوِلَايَتَانِ لَهُ وَبِحُكْمِهِ، وَلَهُ فِيهِمَا حُصُونٌ مَنِيعَةٌ، وَقِلَاعٌ حَصِينَةٌ، وَصَالَحَ الْأُمَرَاءَ الْغُزِّيَّةَ، وَحَمَلَ لَهُمُ الْإِتَاوَةَ كُلَّ سَنَةٍ.
ذِكْرُ قَتْلِ صَاحِبِ هَرَاةَ
كَانَ صَاحِبُ هَرَاةَ الْأَمِيرُ إِيتَكِينُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُزِّ مُهَادَنَةً، فَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلِكُ الْغُورِ مُحَمَّدٌ طَمِعَ فِي بِلَادِهِمْ، فَغَزَاهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَنَهَبَ وَأَغَارَ، فَلَمَّا كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ إِيتِكِينُ جُمُوعَهُ وَسَارَ إِلَى بِلَادِ الْغُورِ، وَسَارُوا إِلَى بَامَيَانَ وَإِلَى وِلَايَةِ بُسْتَ وَالرُّخَّجِ، فَقَاتَلَهُ صَاحِبُهَا طُغْرُلُ تَكِينَ يَرْنَقْشُ الْفَلَكِيُّ مِنْ قِبَلِ الْغُورِيَّةِ، فَظَهَرُوا إِلَى بَامِيَانَ، وَاسْتَوْلَى [عَلَى] بُسْتَ وَالرُّخَجِ فَسَلَّمَهَا إِلَى بَعْضِ أَوْلَادِ مُلُوكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute