للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِرِنْجُ فِي السَّيْرِ إِلَى مِصْرَ، فَقَدِمُوهَا، وَنَازَلُوا مَدِينَةَ بِلْبِيسَ، وَمَلَكُوهَا قَهْرًا مُسْتَهَلَّ صَفَرَ، وَنَهَبُوهَا وَقَتَلُوا فِيهَا وَأَسَرُوا وَسَبَوْا.

وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الْمِصْرِيِّينَ قَدْ كَاتَبُوا الْفِرِنْجَ، وَوَعَدُوهُمُ النُّصْرَةَ عَدَاوَةً مِنْهُمْ لِشَاوُرَ، مِنْهُمُ ابْنُ الْخَيَّاطِ، وَابْنُ فَرْجَلَةَ، فَقَوِيَ جَنَانَ الْفِرِنْجِ، وَسَارُوا مِنْ بِلْبِيسَ إِلَى مِصْرَ، فَنَزَلُوا إِلَى الْقَاهِرَةِ عَاشِرَ صَفَرَ، وَحَصَرُوهَا، فَخَافَ النَّاسُ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِهِمْ كَمَا فَعَلُوا بِأَهْلِ بِلْبِيسَ، فَحَمَلَهُمُ الْخَوْفُ مِنْهُمْ عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَحَفَظُوا الْبَلَدَ، وَقَاتَلُوا دُونَهُ وَبَذَلُوا جُهْدَهُمْ فِي حِفْظِهِ، فَلَوْ أَنَّ الْفِرِنْجَ أَحْسَنُوا السِّيرَةَ فِي بِلْبِيسَ ; لَمَلَكُوا مِصْرَ وَالْقَاهِرَةَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَسَّنَ لَهُمْ مَا فَعَلُوا ; لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا.

وَأَمَرَ شَاوُرُ بِإِحْرَاقِ مَدِينَةِ مِصْرَ تَاسِعَ صَفَرَ، وَأَمَرَ أَهْلَهَا بِالِانْتِقَالِ مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَأَنْ يُنْهَبَ الْبَلَدُ، فَانْتَقَلُوا، وَبَقُوا عَلَى الطُّرُقِ، وَنُهِبَتِ الْمَدِينَةُ، وَافْتَقَرَ أَهْلُهَا، وَذَهَبَتْ أَمْوَالُهُمْ وَنِعْمَتُهُمْ قَبْلَ نُزُولِ الْفِرِنْجِ عَلَيْهِمْ بِيَوْمٍ، خَوْفًا أَنْ يَمْلِكَهَا الْفِرِنْجُ، فَبَقِيَتِ النَّارُ تَحْرِقُهَا أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا.

وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الْعَاضِدُ إِلَى نُورِ الدِّينِ يَسْتَغِيثُ بِهِ، وَيُعَرِّفَهُ ضَعْفَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دَفْعِ الْفِرِنْجِ، وَأَرْسَلَ فِي الْكُتُبِ شُعُورَ النِّسَاءِ وَقَالَ: هَذِهِ شُعُورُ نِسَائِي مِنْ قَصْرِي يَسْتَغِثْنَ بِكَ ; لِتُنْقِذَهُنَّ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَشَرَعَ فِي تَسْيِيرِ الْجُيُوشِ.

وَأَمَّا الْفِرِنْجُ فَإِنَّهُمُ اشْتَدُّوا فِي حِصَارِ الْقَاهِرَةِ وَضَيَّقُوا عَلَى أَهْلِهَا، وَشَاوُرُ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِلْأَمْرِ وَالْعَسَاكِرِ وَالْقَتَّالِ، فَضَاقَ بِهِ الْأَمْرُ، وَضَعُفَ عَنْ رَدِّهِمْ، فَأَخَذَ إِلَى إِعْمَالِ الْحِيلَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ الْفِرِنْجِ يَذْكُرُ لَهُ مَوَدَّتَهُ وَمَحَبَّتَهُ الْقَدِيمَةَ لَهُ، وَأَنَّ هَوَاهُ مَعَهُ ; لِخَوْفِهِ مِنْ نُورِ الدِّينِ وَالْعَاضِدِ، وَإِنَّمَا الْمُسْلِمُونَ لَا يُوَافِقُونَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، وَيُشِيرُ بِالصُّلْحِ، وَأَخْذِ مَالٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّمَ الْبِلَادَ نُورُ الدِّينِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ مِصْرِيَّةٍ، يُعَجِّلُ الْبَعْضَ، وَيُمْهِلُ بِالْبَعْضِ، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>