للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَأَى الْفِرِنْجَ أَنَّ الْبِلَادَ قَدِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا سُلِّمَتْ إِلَى نُورِ الدِّينِ، فَأَجَابُوا كَارِهِينَ، وَقَالُوا: نَأْخُذُ الْمَالَ، فَنَتَقَوَّى بِهِ، وَنُعَاوِدُ الْبِلَادَ بِقُوَّةٍ لَا نُبَالِي مَعَهَا بِنُورِ الدِّينِ {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤] فَعَجَّلَ لَهُمْ شَاوُرُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَسَأَلَهُمُ الرَّحِيلَ عَنْهُ لِيَجْمَعَ لَهُمُ الْمَالَ، فَرَحَلُوا قَرِيبًا، وَجَعَلَ شَاوُرُ يَجْمَعُ لَهُمُ الْمَالَ مِنْ أَهْلِ الْقَاهِرَةِ وَمِصْرَ، فَلَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُ إِلَّا قَدْرٌ لَا يَبْلُغُ خَمْسَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَسَبَبُهُ أَنَّ أَهْلَ مِصْرَ كَانُوا قَدِ احْتَرَقَتْ دُورُهُمْ وَمَا فِيهَا، وَمَا سَلِمَ نُهِبَ، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْأَقْوَاتِ فَضْلًا عَنِ الْأَقْسَاطِ.

وَأَمَّا الْقَاهِرَةُ فَالْأَغْلَبُ عَلَى أَهْلِهَا الْجُنْدُ وَغِلْمَانُهُمْ، فَلِهَذَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمُ الْأَمْوَالُ، وَهُمْ خِلَالَ هَذَا يُرَاسِلُونَ نُورَ الدِّينِ بِمَا النَّاسُ فِيهِ، وَبَذَلُوا لَهُ ثُلْثَ بِلَادِ مِصْرَ، وَأَنْ يَكُونَ أَسَدُ الدِّينِ مُقِيمًا عِنْدَهُمْ فِي عَسْكَرٍ، وَأَقْطَاعُهُمْ مِنَ الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ أَيْضًا خَارِجًا عَنِ الثُّلُثِ الَّذِي لَهُمْ.

وَكَانَ نُورُ الدِّينِ لَمَّا وَصَلَهُ كُتُبُ الْعَاضِدِ بِحَلَبَ أَرْسَلَ إِلَى أَسَدِ الدِّينِ يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ الْقَاصِدُ فِي طَلَبِهِ، فَلَقِيَهُ عَلَى بَابِ حَلَبَ، وَقَدْ قَدِمَهَا مِنْ حِمْصَ وَكَانَتْ إِقْطَاعَهُ، وَكَانَ سَبَبُ وُصُولِهِ أَنْ كُتُبَ الْمِصْرِيِّينَ وَصَلَتْهُ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى، فَسَارَ أَيْضًا إِلَى نُورِ الدِّينِ، وَاجْتَمَعَ بِهِ، وَعَجِبَ نُورُ الدِّينِ مِنْ حُضُورِهِ فِي الْحَالِ، وَسَرَّهُ ذَلِكَ، وَتَفَاءَلَ بِهِ، وَأَمَرَ بِالتَّجْهِيزِ إِلَى مِصْرَ، وَأَعْطَاهُ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ سِوَى الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَسْلِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَحَكَّمَهُ فِي الْعَسْكَرِ وَالْخَزَائِنِ، وَاخْتَارَ مِنَ الْعَسْكَرِ أَلْفَيْ فَارِسٍ، وَأَخَذَ الْمَالَ، وَجَمَعَ سِتَّةَ آلَافِ فَارِسٍ، وَسَارَ هُوَ وَنُورُ الدِّينِ إِلَى دِمَشْقَ فَوَصَلَهَا سَلْخَ صَفَرَ، وَرَحَلَ إِلَى رَأْسِ الْمَاءِ، وَأَعْطَى نُورُ الدِّينِ كُلَّ فَارِسٍ مِمَّنْ مَعَ أَسَدِ الدِّينِ عِشْرِينَ دِينَارًا مَعُونَةً غَيْرَ مَحْسُوبَةٍ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ، وَأَضَافَ إِلَى أَسَدِ الدِّينِ جَمَاعَةً أُخْرَى مِنَ الْأُمَرَاءِ مِنْهُمْ: مَمْلُوكُهُ عِزُّ الدِّينِ جُورْدِيكُ، وَعِزُّ الدِّينِ قَلْجُ، وَشَرَفُ الدِّينِ بَزْغَشُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>