وَعَيْنُ الدَّوْلَةِ الْيَارُوقِيُّ، وَقُطْبُ الدِّينِ يَنَالُ بْنُ حَسَّانٍ الْمَنْبِجِيُّ، وَصَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ، أَخِي شِيرِكُوهْ، عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] أَحَبَّ نُورُ الدِّينِ مَسِيرَ صَلَاحِ الدِّينِ، وَفِيهِ ذَهَابُ بَيْتِهِ، وَكَرِهَ صَلَاحُ الدِّينِ الْمَسِيرَ، وَفِيهِ سَعَادَتُهُ وَمُلْكُهُ، وَسَيَرِدُ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِ شِيرِكُوهْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَسَارَ أَسَدُ الدِّينِ شِيرِكُوهْ مِنْ رَأْسِ الْمَاءِ مُجِدًّا مُنْتَصَفَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا قَارَبَ مِصْرَ رَحَلَ الْفِرِنْجُ عَنْهَا عَائِدِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ خَائِبِينَ مِمَّا أَمَّلُوا، وَسَمِعَ نُورُ الدِّينِ بِعَوْدِهِمْ، فَسَّرَهُ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ الْبَشَائِرِ فِي الْبِلَادِ، وَبَثَّ رُسُلَهُ فِي الْأَفَّاقِ مُبَشِّرِينَ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ كَانَ فَتْحًا جَدِيدًا لِمِصْرَ وَحِفْظًا لِسَائِرِ بِلَادِ الشَّامِ وَغَيْرِهَا.
فَأَمَّا أَسَدُ الدِّينِ فَإِنَّهُ وَصَلَ إِلَى الْقَاهِرَةِ سَابِعَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدَخَلَ إِلَيْهَا، وَاجْتَمَعَ بِالْعَاضِدِ لِدِينِ اللَّهِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَعَادَ إِلَى خِيَامِهِ بِالْخِلْعَةِ الْعَاضِدِيَّةِ، وَفَرِحَ بِهِ أَهْلُ مِصْرَ، وَأُجْرِيَتَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَسْكَرِهِ الْجِرَايَاتُ الْكَثِيرَةُ، وَالْإِقَامَاتُ الْوَافِرَةُ، وَلَمْ يُمْكِنْ شَاوُرُ الْمَنْعَ عَنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ رَأَى الْعَسَاكِرَ كَثِيرَةً مَعَ شِيرِكُوهْ وَهَوَى الْعَاضِدِ مَعَهُمْ، فَلَمْ يَتَجَاسَرْ عَلَى إِظْهَارِ مَا فِي نَفْسِهِ، وَشَرَعَ يُمَاطِلُ أَسَدَ الدِّينِ فِي تَقْرِيرِ مَا كَانَ بَذَلَ لِنُورِ الدِّينِ مِنَ الْمَالِ، وَإِقْطَاعِ الْجُنْدِ، وَإِفْرَادِ ثُلُثِ الْبِلَادِ لِنُورِ الدِّينِ، وَهُوَ يَرْكَبُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى أَسَدِ الدِّينِ، وَيَسِيرُ مَعَهُ، وَيَعِدُهُ وَيُمَنِّيهِ {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: ١٢٠] .
ثُمَّ إِنَّهُ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ دَعْوَةً يَدْعُو إِلَيْهَا أَسَدَ الدِّينِ وَالْأُمَرَاءَ الَّذِينَ مَعَهُ، وَيَقْبِضَ عَلَيْهِمْ، وَيَسْتَخْدِمَ مَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْجُنْدِ، فَيَمْنَعَ بِهِمُ الْبِلَادَ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَنَهَاهُ ابْنُهُ الْكَامِلُ، وَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَئِنْ عَزَمْتَ عَلَى هَذَا ; لَأُعْرِفَنَّ شِيرِكُوهْ. فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ نَفْعَلْ هَذَا لُنَقْتَلَنَّ جَمِيعًا، فَقَالَ: صَدَقْتَ، وَلَأَنْ نُقْتَلَ وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ وَالْبِلَادُ إِسْلَامِيَّةٌ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ نُقْتَلَ وَقَدْ مَلَكَهَا الْفِرِنْجُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَوْدِ الْفِرِنْجِ إِلَّا أَنْ يَسْمَعُوا بِالْقَبْضِ عَلَى شِيرِكُوهْ، وَحِينَئِذٍ لَوْ مَشَى الْعَاضِدُ إِلَى نُورِ الدِّينِ لَمْ يُرْسِلْ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute