فَارِسًا وَاحِدًا، وَيَمْلِكُونَ الْبِلَادَ، فَتَرَكَ مَا كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا رَأَى الْعَسْكَرُ النُّورِيُّ مَطَلَ شَاوُرَ خَافُوا شَرَّهُ، فَاتَّفَقَ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ وَعِزُّ الدِّينِ جُورْدِيكُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى قَتْلِ شَاوُرَ، فَأَعْلَمُوا أَسَدَ الدِّينِ، فَنَهَاهُمْ عَنْهُ، فَسَكَتُوا وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْعَزْمِ مِنْ قَتْلِهِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ شَاوُرَ قَصَدَ عَسْكَرَ أَسَدِ الدِّينِ عَلَى عَادَتِهِ، فَلَمْ يَجِدْهُ فِي الْخِيَامِ، كَانَ قَدْ مَضَى يَزُورُ قَبْرَ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَقِيَهُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ وَجُورْدِيكُ فِي جَمْعٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَخَدَمُوهُ، وَأَعْلَمُوهُ بِأَنْ شِيرِكُوهْ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: نَمْضِي إِلَيْهِ، فَسَارُوا جَمِيعًا، فَسَايَرَهُ صَلَاحُ الدِّينِ وُجُورَدِيكُ وَأَلْقَيَاهُ إِلَى الْأَرْضِ عَنْ فَرَسِهِ، فَهَرَبَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ، فَأُخِذَ أَسِيرًا، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ قَتْلُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ أَسَدِ الدِّينِ، فَتَوَكَّلُوا بِحِفْظِهِ، وَسَيَّرُوا فَأَعْلَمُوا أَسَدَ الدِّينِ الْحَالَ، فَحَضَرَ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ إِلَّا إِتْمَامُ مَا عَمِلُوهُ، وَسَمِعَ الْخَلِيفَةُ الْعَاضِدُ صَاحِبُ مِصْرَ الْخَبَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَسَدِ الدِّينِ يَطْلُبُ مِنْهُ إِنْفَاذَ رَأْسِ شَاوُرَ، وَتَابَعَ الرُّسُلَ بِذَلِكَ، فَقُتِلَ، وَأُرْسِلَ رَأْسُهُ إِلَى الْعَاضِدِ فِي السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ.
وَدَخَلَ أَسَدُ الدِّينِ الْقَاهِرَةَ، فَرَأَى مِنِ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ مَا خَافَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي الْعَاضِدَ، يَأْمُرُكُمْ بِنَهْبِ دَارِ شَاوُرَ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ إِلَيْهَا، فَنَهَبُوهَا، وَقَصَدَ هُوَ قَصْرَ الْعَاضِدِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ خِلْعَةَ الْوِازَرَةِ، وَلُقِّبَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ أَمِيرُ الْجُيُوشِ، وَسَارَ بِالْخِلَعِ إِلَى دَارِ الْوِزَارَةِ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ فِيهَا شَاوِرُ، فَلَمْ يَرَ فِيهَا مَا يَقْعُدُ عَلَيْهِ، وَاسْتَقَرَّ فِي الْأَمْرِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَانِعٌ وَلَا مُنَازِعٌ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْأَعْمَالِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَقْطَعَ الْبِلَادَ لِعَسَاكِرِهِ.
وَأَمَّا الْكَامِلُ بْنُ شَاوُرَ فَإِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ دَخَلَ الْقَصْرَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ مُعْتَصِمِينَ بِهِ، فَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِمْ، فَكَانَ شِيرِكُوهْ يَتَأَسَّفُ عَلَيْهِ كَيْفَ عُدِمَ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ مَا كَانَ مِنْهُ مَعَ أَبِيهِ فِي مَنْعِهِ مِنْ قَتْلِ شِيرِكُوهْ، وَكَانَ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ بَقِيَ ; لِأُحْسِنَ إِلَيْهِ جَزَاءَ الصَّنِيعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute