ذِكْرُ وَفَاةِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرِكُوهْ
لَمَّا ثَبَتَ قَدَمُ أَسَدِ الدِّينِ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ مُنَازِعٌ، أَتَاهُ أَجْلُهُ {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام: ٤٤] فَتُوُفِّيَ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ.
وَأَمَّا ابْتِدَاءُ أَمْرِهِ وَسَبَبُ اتِّصَالِهِ بِنُورِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ ابْنَا شَاذِي مِنْ بَلَدِ دُوَيْنَ، وَأَصْلُهُمَا مِنَ الْأَكْرَادِ الرَّوَادِيَّةِ، وَهَذَا النَّسْلُ هُمْ أَشْرَافُ الْأَكْرَادِ، فَقَدِمَا الْعِرَاقَ، وَخَدَمَا مُجَاهِدَ الدِّينِ بَهْرُوزَ شِحْنَةَ بَغْدَادَ، فَرَأَى مِنْ نَجْمِ الدِّينِ عَقْلًا وَرَأَيًا وَافِرًا وَحُسْنِ سِيرَةٍ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ شِيرِكُوهْ، فَجَعَلَهُ مُسْتَحْفِظًا لِقَلْعَةِ تَكْرِيتَ، وَهِيَ لَهُ، فَسَارَ إِلَيْهَا وَمَعَهُ أَخُوهُ شِيرِكُوهْ فَلَمَّا انْهَزَمَ أَتَابِكَ الشَّهِيدَ زَنْكِي بْنَ آقْسَنْقَرَ بِالْعِرَاقِ مِنْ قَرَاجَةَ السَّاقِي عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَصَلَ مُنْهَزِمًا إِلَى تَكْرِيتَ، فَخَدَمَهُ نَجْمُ الدِّينِ، وَأَقَامَ لَهُ السُّفُنَ فَعَبَرَ دِجْلَةَ هُنَاكَ، وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ، فَأَحْسَنَ أَيُّوبُ صُحْبَتَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ شِيرِكُوهْ قَتَلَ إِنْسَانًا بِتَكْرِيتَ لِمُلَاحَاةٍ جَرَتْ بَيْنَهُمَا، فَأَخْرَجَهُمَا بَهْرُوزُ مِنَ الْقَلْعَةِ، فَسَارَا إِلَى الشَّهِيدِ زَنْكِي، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمَا، وَعَرَفَ لَهُمَا خِدْمَتَهُمَا، وَأَقْطَعَهُمَا إِقْطَاعًا حَسَنًا، فَلَمَّا مَلَكَ قَلْعَةَ بَعْلَبَكَّ جَعَلَ أَيُّوبَ مُسْتَحْفِظًا بِهَا، فَلَمَّا قُتِلَ الشَّهِيدُ حَصَرَ عَسْكَرُ دِمَشْقَ بَعْلَبِكَّ وَهُوَ بِهَا، فَضَاقَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَكَانَ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي بْنُ زَنْكِي مَشْغُولًا عَنْهُ بِإِصْلَاحِ الْبِلَادِ، فَاضْطَرَّ إِلَى تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِمْ، فَسَلَّمَهَا عَلَى إِقْطَاعٍ ذَكَرَهُ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَصَارَ مِنْ أَكْبَرِ الْأُمَرَاءِ بِدِمَشْقَ.
وَاتَّصَلَ أَخُوهُ أَسَدُ الدِّينِ شِيرِكُوهْ بِنُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بَعْدَ قَتْلِ زَنْكِي، وَكَانَ يَخْدِمُهُ فِي أَيَّامِ وَالِدِهِ، فَقَرَّبَهُ وَقَدَّمَهُ، وَرَأَى مِنْهُ شَجَاعَةً يَعْجِزُ غَيْرُهُ عَنْهَا، فَزَادَهُ حَتَّى صَارَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute