للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِمْصُ وَالرَّحْبَةُ وَغَيْرُهُمَا، وَجَعَلَهُ مُقَدَّمَ عَسْكَرِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ نُورُ الدِّينِ مُلْكَ دِمَشْقَ أَمَرَهُ فَرَاسَلَ أَخَاهُ أَيُّوبَ وَهُوَ بِهَا، وَطَلَبَ مِنْهُ الْمُسَاعَدَةَ عَلَى فَتْحِهَا، فَأَجَابَ إِلَى مَا يُرِيدُ مِنْهُ عَلَى إِقْطَاعٍ ذَكَرَهُ لَهُ وَلِأَخِيهِ، وَقُرًى يَتَمَلَّكَانِهَا، فَأَعْطَاهُمَا مَا طَلَبَا، وَفَتَحَ دِمَشْقَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَوَفَّى لَهُمَا، وَصَارَا أَعْظَمَ أُمَرَاءِ دَوْلَتِهِ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ الْعَسَاكِرَ إِلَى مِصْرَ، لَمْ يُرِدْ لِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ وَالْمَقَامِ الْخَطِيرِ غَيْرَهُ، فَأَرْسَلَهُ، فَفَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ.

ذِكْرُ مُلْكِ صَلَاحِ الدِّينِ مِصْرَ

لَمَّا تُوُفِّيَ أَسَدُ الدِّينِ شِيرِكُوهْ كَانَ مَعَهُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ ابْنُ أَخِيهِ أَيُّوبَ بْنِ شَاذِي قَدْ سَارَ مَعَهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ لِلْمَسِيرِ.

حَكَى لِي عَنْهُ بَعْضُ أَصْدِقَائِنَا مِمَّنْ كَانَ قَرِيبًا إِلَيْهِ خِصِّيصًا بِهِ، قَالَ: لَمَّا وَرَدَتْ كُتُبُ الْعَاضِدِ عَلَى نُورِ الدِّينِ يَسْتَغِيثُ بِهِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَيَطْلُبُ إِرْسَالَ الْعَسَاكِرِ، أَحْضَرَنِي وَأَعْلَمَنِي الْحَالَ، وَقَالَ: تَمْضِي إِلَى عَمِّكِ أَسَدِ الدِّينِ بِحِمْصَ مَعَ رَسُولِي إِلَيْهِ لِيَحْضُرَ، وَتَحُثَّهُ أَنْتَ عَلَى الْإِسْرَاعِ، فَمَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرُ التَّأْخِيرَ، فَفَعَلْتُ، وَخَرَجْنَا مِنْ حَلَبَ، فَمَا كُنَّا عَلَى مِيلٍ مِنْ حَلَبَ حَتَّى لَقِينَاهُ قَادِمًا فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَأَمَرَهُ نُورُ الدِّينِ بِالْمَسِيرِ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ نُورُ الدِّينِ ذَلِكَ الْتَفَتَ عَمِّي إِلَيَّ فَقَالَ لِي: تَجَهَّزْ يَا يُوسُفُ! فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ مُلْكَ مِصْرَ مَا سِرْتُ إِلَيْهَا: فَلَقَدْ قَاسَيْتُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا أَنْسَاهُ أَبَدًا، فَقَالَ لِنُورِ الدِّينِ: لَا بُدَّ مِنْ مَسِيِرِهِ مَعِي فَتَأْمُرْ بِهِ، فَأَمَرَنِي نُورُ الدِّينِ، وَأَنَا أَسْتَقِيلُ، وَانْقَضَى الْمَجْلِسُ.

وَتَجَهَّزَ أَسَدُ الدِّينِ، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْمَسِيرِ، قَالَ لِي نُورُ الدِّينِ: لَا بُدَّ مِنْ مَسِيرِكَ مَعَ عَمِّكَ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ الضَّائِقَةَ وَعَدَمَ الْبِرَكَ، فَأَعْطَانِي مَا تَجَهَّزْتُ بِهِ، فَكَأَنَّمَا أُسَاقُ إِلَى الْمَوْتِ، فَسِرْتُ مَعَهُ وَمَلَكَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ فَمَلَّكَنِيَ اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ أَكُنْ أَطْمَعُ فِي بَعْضِهِ.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وِلَايَتِهِ، فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ النُّورِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا بِمِصْرَ طَلَبُوا التَّقَدُّمَ عَلَى الْعَسَاكِرِ، وَوِلَايَةِ الْوِزَارَةِ الْعَاضِدِيَّةِ بَعْدَهُ، مِنْهُمْ: عَيْنُ الدَّوْلَةِ الْيَارُوقِيُّ، وَقُطْبُ الدِّينِ، وَسَيْفُ الدِّينِ الْمَشْطُوبُ الْهَكَّارِيُّ، وَشِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودٌ الْحَارِمِيُّ، وَهُوَ خَالُ صَلَاحِ الدِّينِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَخْطُبُهَا، وَقَدْ جَمَعَ أَصْحَابَهُ لِيُغَالِبَ عَلَيْهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>