للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَرْسَلَ الْعَاضِدُ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، فَأَحْضَرَهُ عِنْدَهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَوَلَّاهُ الْوِزَارَةَ بَعْدَ عَمِّهِ.

وَكَانَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا لَهُ: لَيْسَ فِي الْجَمَاعَةِ أَضْعَفُ وَلَا أَصْغَرُ سِنًّا مِنْ يُوسُفَ، وَالرَّأْيُ أَنْ يُوَلَّى؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ حُكْمِنَا، ثُمَّ نَضَعُ عَلَى الْعَسَاكِرِ مَنْ يَسْتَمِيلُهُمْ إِلَيْنَا، فَيَصِيرُ عِنْدَنَا مِنَ الْجُنُودِ مَنْ نَمْنَعُ بِهِمُ الْبِلَادَ، ثُمَّ نَأْخُذُ يُوسُفَ أَوْ نُخْرِجُهُ.

فَلَمَّا خَلَعَ عَلَيْهِ لَقَبَ الْمَلِكِ النَّاصِرِ لَمْ يُطِعْهُ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْأَمْرَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا خَدَمُوهُ، وَكَانَ الْفَقِيهُ عِيسَى الْهَكَّارِيُّ مَعَهُ، فَسَعَى مَعَ الْمَشْطُوبِ حَتَّى أَمَالَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مَعَ عَيْنِ الدَّوْلَةِ وَالْحَارِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ قَصَدَ الْحَارِمِيَّ، وَقَالَ: هَذَا صَلَاحُ الدِّينِ هُوَ ابْنُ أُخْتِكَ وَعِزُّهُ وَمُلْكُهُ لَكَ، وَقَدِ اسْتَقَامَ لَهُ الْأَمْرُ، فَلَا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَسْعَى فِي إِخْرَجِهِ عَنْهُ، وَلَا يَصِلُ إِلَيْكَ، فَمَالَ إِلَيْهِ أَيْضًا، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا بِالْبَاقِينَ، وَكُلُّهُمْ أَطَاعَ غَيْرَ عَيْنِ الدَّوْلَةِ الْيَارُوقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَنَا لَا أَخْدِمُ يُوسُفَ، وَعَادَ إِلَى نُورِ الدِّينِ بِالشَّامِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَثَبَتَ قَدَمُ صَلَاحِ الدِّينِ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ نَائِبٌ عَنْ نُورِ الدِّينِ.

وَكَانَ نُورُ الدِّينِ يُكَاتِبُهُ بِالْأَمِيرِ الْأَسْفَهَسْلَارِ، وَيَكْتُبُ عَلَامَتَهُ عَلَى رَأْسِ الْكِتَابِ تَعْظِيمًا عَنْ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ، وَكَانَ لَا يُفْرِدُهُ بِكِتَابٍ بَلْ يَكْتُبُ الْأَمِيرُ الْأَسْفَهَسْلَارُ صَلَاحُ [الدِّينِ] وَجَمِيعُ الْأُمَرَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَفْعَلُونَ كَذَا.

وَاسْتَمَالَ صَلَاحُ الدِّينِ قُلُوبَ النَّاسِ، وَبَذَلَ الْأَمْوَالَ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، وَأَحَبُّوهُ، وَضَعُفَ أَمْرُ الْعَاضِدِ، ثُمَّ أَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ يَطْلُبُ مِنْ نُورِ الدِّينِ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ إِخْوَتَهُ وَأَهْلَهُ، فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ وَالْقِيَامَ بِأَمْرِهِ، وَمُسَاعَدَتَهُ، وَكُلُّهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَأَخَذَ إِقْطَاعَاتِ الْأُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ، فَأَعْطَاهَا أَهْلَهُ وَالْأُمَرَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَزَادَهُمْ، فَازْدَادُوا لَهُ حُبًّا وَطَاعَةً.

قَدِ اعْتَبَرْتُ التَّوَارِيخَ، فَرَأَيْتُ كَثِيرًا مِنَ التَّوَارِيخِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ ضَبْطُهَا، وَرَأَيْتُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَبْتَدِئُ الْمُلْكَ تَنْتَقِلُ الدَّوْلَةُ عَنْ صُلْبِهِ إِلَى بَعْضِ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ، مِنْهُمْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ: مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَوَّلُ مَنْ مَلَكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَنُقِلَ الْمُلْكُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>