مِنَ الْبِلَادِ، وَأَشَدُّهَا كَانَ بِالشَّامِ، فَخَرَّبَتْ كَثِيرًا مِنْ دِمَشْقَ، وَبَعْلَبَكَّ، وَحِمْصَ، وَحَمَاةَ، وَشَيْزَرَ، وَبُعْرَيْنَ، وَحَلَبَ، وَغَيْرَهَا، وَتَهَدَّمَتْ أَسْوَارُهَا وَقِلَاعُهَا، وَسَقَطَتِ الدُّوُرُ عَلَى أَهْلِهَا، وَهَلَكَ مِنْهُمْ مَا يَخْرُجُ عَنِ الْحَدِّ.
فَلَمَّا أَتَاهُ الْخَبَرُ سَارَ إِلَى بَعْلَبَكَّ لِيُعَمِّرَ مَا انْهَدَمَ مِنْ سُورِهَا وَقَلْعَتِهَا، فَلَمَّا وَصَلَهَا أَتَاهُ خَبَرُ بَاقِي الْبِلَادِ، وَخَرَابُ أَسْوَارِهَا وَقِلَاعِهَا، وَخُلُوِّهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَجَعَلَ بِبَعْلَبَكَّ مَنْ يُعَمِّرُهَا وَيَحْمِيهَا وَيَحْفَظُهَا، وَسَارَ إِلَى حِمْصَ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِلَى حَمَاةَ، (ثُمَّ إِلَى بَعْرِينَ) ، وَكَانَ شَدِيدَ الْحَذَرِ عَلَى سَائِرِ الْبِلَادِ مِنَ الْفِرِنْجِ، ثُمَّ أَتَى مَدِينَةَ حَلَبَ، فَرَأَى فِيهَا مِنْ آثَارِ الزَّلْزَلَةِ مَا لَيْسَ بِغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ قَدْ أَتَتْ عَلَيْهَا، وَبَلَغَ الرُّعْبُ مِمَّنْ نَجَا كُلَّ مَبْلَغٍ، وَكَانُوا لَا يَقْدِرُونَ [أَنْ] يَأْوُوا [إِلَى] مَسَاكِنِهِمْ خَوْفًا مِنَ الزَّلْزَلَةِ، فَأَقَامَ بِظَاهِرِهَا، وَبَاشَرَ عِمَارَتَهَا بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَحْكَمَ أَسْوَارَ الْبِلَادِ وَجَوَامِعَهَا.
وَأَمَّا بِلَادُ الْفِرِنْجِ فَإِنَّ الزَّلَازِلَ أَيْضًا عَمِلَتْ بِهَا كَذَلِكَ، فَاشْتَغَلُوا بِعِمَارَةِ بِلَادِهِمْ خَوْفًا مِنْ نُورِ الدِّينِ عَلَيْهَا، فَاشْتَغَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِعِمَارَةِ بِلَادِهِ خَوْفًا مِنَ الْآخَرِ.
ذِكْرُ وَفَاةِ قُطْبِ الدِّينِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِي وَمُلْكِ ابْنِهِ سَيْفِ الدِّينِ غَازِي
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْحِجَّةِ، مَاتَ قُطْبُ الدِّينِ مَوْدُودُ بْنُ زَنْكِي، ابْنُ آقَنَسْقَرَ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، بِالْمَوْصِلِ، وَكَانَ مَرَضُهُ حُمَّى حَادَّةً، وَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute