بَسَاتِينُ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا يُمْسَحُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ شَيْءٌ مَعْلُومٌ، وَبَعْضُهَا عَلَيْهِ خَرَاجٌ، وَبَعْضُهَا مُطْلَقٌ مِنَ الْجَمِيعِ.
قَالَ: وَكَانَ لِي فِيهَا مِلْكٌ كَثِيرٌ، فَكُنْتُ أَقُولُ: إِنَّ الْمَصْلَحَةَ أَنْ لَا يُغَيَّرَ عَلَى النَّاسِ شَيْءٌ، وَمَا أَقُولُ هَذَا لِأَجْلِ مِلْكِي، فَإِنَّنِي أَنَا أَمْسَحُ مِلْكِي، وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يَدُومَ الدُّعَاءُ مِنَ النَّاسِ لِلدَّوْلَةِ، فَجَاءَنِي كِتَابُ النَّائِبِ يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنَ الْمِسَاحَةِ، قَالَ: فَأَظْهَرْتُ الْأَمْرَ، وَكَانَ بِهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، لِي بِهِمْ أُنْسٌ، وَبَيْنَنَا مَوَدَّةٌ، فَجَاءَنِي النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَأُولَئِكَ مَعَهُمْ، يَطْلُبُونَ الْمُرَاجَعَةَ، فَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّنِي رَجَعْتُ وَمَا أُجِبْتُ إِلَى ذَلِكَ، فَجَاءَنِي مِنْهُمْ رَجُلَانِ أَعْرِفُ صَلَاحَهُمَا، وَطَلَبَا مِنِّي الْمُعَاوَدَةَ وَمُخَاطَبَةً ثَانِيَةً، فَفَعَلْتُ، فَأَصَرُّوا عَلَى الْمَسْحِ، فَعَرَّفْتُهُمَا الْحَالَ.
قَالَ: فَمَا مَضَى إِلَّا عِدَّةُ أَيَّامٍ، وَإِذْ قَدْ جَاءَنِي الرَّجُلَانِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُمَا جَاءَا يَطْلُبَانِ الْمُعَاوَدَةَ، فَعَجِبْتُ مِنْهُمَا، وَأَخَذْتُ أَعْتَذِرُ إِلَيْهِمَا، فَقَالَا: مَا جِئْنَا إِلَيْكَ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا جِئْنَا نُعَرِّفَكَ أَنَّ حَاجَتَنَا قُضِيَتْ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُمَا قَدْ أَرْسَلَا إِلَى الْمَوْصِلِ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَهُمَا، فَقُلْتُ: مَنِ الَّذِي خَاطَبَ فِي هَذَا بِالْمَوْصِلِ؟ فَقَالَا: إِنَّ حَاجَتَنَا قَدْ قُضِيَتْ مِنَ السَّمَاءِ، وَلِكَافَّةِ أَهْلِ الْعَقِيمَةِ.
قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّ هَذَا مِمَّا قَدْ حَدَّثَا بِهِ نُفُوسَهُمَا، ثُمَّ قَامَا عَنِّي، لَمْ يَمْضِ غَيْرُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَإِذْ قَدْ جَاءَنَا كِتَابٌ مِنَ الْمَوْصِلِ يَأْمُرُونَ بِإِطْلَاقِ الْمِسَاحَةِ وَالْمُحْبَسِينَ وَالْمُكُوسَ، وَيَأْمُرُونَ بِالصَّدَقَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ السُّلْطَانَ، يَعْنِي قُطْبَ الدِّينِ، مَرِيضٌ، يَعْنِي عَلَى حَالَةٍ شَدِيدَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ جَاءَنَا الْكِتَابُ بِوَفَاتِهِ، فَعَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهِمَا، وَاعْتَقَدْتُهُ كَرَامَةً لَهُمَا، فَصَارَ وَالِدِي بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ إِكْرَامَهُمَا وَاحْتِرَامَهُمَا وَيَزُورُهُمَا.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عَسَاكِرِ ابْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَابْنِ مَرْدَنِيشَ
كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَرْدَنِيشَ، مَلَكَ شَرْقَ الْأَنْدَلُسِ، قَدِ اتَّفَقَ هُوَ وَالْفِرِنْجُ، وَامْتَنَعَ عَلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَابْنِهِ بَعْدَهُ، فَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، لَا سِيَّمَا بَعْدَ وَفَاةِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute