عَدَاوَةٌ مُسْتَحْكِمَةٌ، لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِدَ بِاللَّهِ كَانَ يَأْمُرُهُ بِأَشْيَاءَ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَيَفْعَلُهَا، فَكَانَا يَظُنَّانِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْعَى بِهِمَا، فَلَمَّا مَرِضَ الْمُسْتَنْجِدُ وَأُرْجِفَ بِمَوْتِهِ، رَكِبَ الْوَزِيرُ وَمَعَهُ الْأُمَرَاءُ وَالْأَجْنَادُ وَغَيْرُهُمْ بِالْعُدَّةِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ عِنْدَهُ خَبَرُ مَوْتِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ يَقُولُ: إِنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ خَفَّ مَا بِهِ مِنَ الْمَرَضِ، وَأَقْبَلَتِ الْعَافِيَةُ، فَخَافَ الْوَزِيرُ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْخِلَافَةِ بِالْجُنْدِ، فَرُبَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَعَادَ إِلَى دَارِهِ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، وَكَانَ عَضُدُ الدِّينِ وَقُطْبُ الدِّينِ قَدِ اسْتَعَدَّا لِلْهَرَبِ لَمَّا رَكِبَ الْوَزِيرُ خَوْفًا مِنْهُ إِنْ دَخَلَ الدَّارَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا، فَلَمَّا عَادَ أَغْلَقَ أُسْتَاذُ الدَّارِ أَبْوَابَ الدَّارِ، وَأَظْهَرُوا وَفَاةَ الْمُسْتَنْجِدِ، وَأَحْضَرَ هُوَ وَقُطْبُ الدِّينِ ابْنَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ، وَبَايَعَاهُ بِالْخِلَافَةِ، وَلَقَّبَاهُ الْمُسْتَضِيءَ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ شُرُوطًا أَنْ يَكُونَ عَضُدُ الدِّينِ وَزِيرًا، وَابْنُهُ كَمَالُ الدِّينِ أُسْتَاذَ الدَّارِ، وَقُطْبُ الدِّينِ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.
وَلَمْ يَتَوَلَّ الْخِلَافَةَ مَنِ اسْمُهُ الْحَسَنُ إِلَّا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمُسْتَضِيءُ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَاتَّفَقَا فِي الْكُنْيَةِ وَالْكَرَمِ، فَبَايَعَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ الْخَاصَّةُ يَوْمَ تُوُفِّيَ أَبُوهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ مِنَ الْغَدِ فِي التَّاجِ بَيْعَةً عَامَّةً، وَأَظْهَرَ مِنَ الْعَدْلِ أَضْعَافَ مَا عَمِلَ أَبُوهُ، وَفَرَّقَ أَمْوَالًا جَلِيلَةَ الْمِقْدَارِ.
وَعَلِمَ الْوَزِيرُ ابْنُ الْبَلَدِيِّ، فَسُقِطَ فِي يَدِهِ وَقَرَعَ سِنَّهُ ; نَدَمًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِي عَوْدِهِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ، وَأَتَاهُ مَنْ يَسْتَدْعِيهِ لِلْجُلُوسِ لِلْعَزَاءِ وَالْبَيْعَةِ لِلْمُسْتَضِيءِ، فَمَضَى إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، فَلَمَّا دَخَلَهَا صُرِفَ إِلَى مَوْضِعٍ وَقُتِلَ وَقُطِّعَ قِطَعًا، وَأُلْقِي فِي دِجْلَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأُخِذَ جَمِيعُ مَا فِي دَارِهِ، فَرَأَيَا فِيهَا خُطُوطَ الْمُسْتَنْجِدِ بِاللَّهِ يَأْمُرُهُ فِيهَا بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا، وَخَطَّ الْوَزِيرِ قَدْ رَاجَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَصَرَفَهُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَقَفَا عَلَيْهِمَا عَرَفَا بَرَاءَتَهُ مِمَّا كَانَا يَظُنَّانِ فِيهِ، فَنَدِمَا حَيْثُ فَرَّطَا فِي قَتْلِهِ.
وَكَانَ الْمُسْتَنْجِدُ بِاللَّهِ مِنْ أَحْسَنِ الْخُلَفَاءِ سِيرَةً مَعَ الرَّعِيَّةِ، عَادِلًا فِيهِمْ، كَثِيرَ الرِّفْقِ بِهِمْ، وَأَطْلَقَ كَثِيرًا مِنَ الْمُكُوسِ، وَلَمْ يَتْرُكْ بِالْعِرَاقِ مِنْهَا شَيْئًا، وَكَانَ شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الْعَيْثِ وَالْفَسَادِ وَالسِّعَايَةِ بِالنَّاسِ.
بَلَغَنِي أَنَّهُ قَبَضَ عَلَى إِنْسَانٍ كَانَ يَسْعَى بِالنَّاسِ، فَأَطَالَ حَبْسَهُ، فَشَفَعَ فِيهِ بَعْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute