للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحَابِهِ الْمُخْتَصِّينَ بِخِدْمَتِهِ، وَبَذَلَ عَنْهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، فَقَالَ: أَنَا أُعْطِيكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَتُحْضِرُ لِي إِنْسَانًا آخَرَ مِثْلَهُ لِأَكُفَّ شَرَّهُ عَنِ النَّاسِ، وَلَمْ يُطْلِقْهُ، وَرَدَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَمْوَالِ عَلَى أَصْحَابِهَا، وَقَبَضَ عَلَى الْقَاضِي ابْنِ الْمُرَخَّمِ، وَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا كَثِيرًا، فَأَعَادَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ أَيْضًا، وَكَانَ ابْنُ الْمُرَخَّمِ ظَالِمًا جَائِرًا فِي أَحْكَامِهِ.

ذِكْرُ مُلْكِ نُورِ الدِّينِ الْمَوْصِلَ وَإِقْرَارِ سَيْفِ الدِّينِ عَلَيْهَا

لَمَّا بَلَغَ نُورَ الدِّينِ مَحْمُودًا وَفَاةُ أَخِيهِ قُطْبِ الدِّينِ مَوْدُودٍ، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَمُلْكُ وَلَدِهِ سَيْفِ الدِّينِ غَازِي الْمَوْصِلَ وَالْبِلَادَ الَّتِي كَانَتْ لِأَبِيهِ، بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقِيَامُ فَخْرِ الدِّينِ عَبْدِ الْمَسِيحِ بِالْأَمْرِ مَعَهُ، وَتَحَكُّمُهُ عَلَيْهِ، أَنِفَ لِذَلِكَ، وَكَبُرَ لَدَيْهِ، وَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُبْغِضُ فَخْرَ الدِّينِ لِمَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ مِنْ خُشُونَةِ سِيَاسَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِتَدْبِيرِ أَوْلَادِ أَخِي وَمُلْكِهِمْ، وَسَارَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعَزَاءِ جَرِيدَةً فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَعَبَرَ الْفُرَاتَ، عِنْدَ قَلْعَةِ جَعْبَرَ، مُسْتَهَلَّ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَصَدَ الرَّقَّةَ فَحَصَرَهَا وَأَخَذَهَا.

ثُمَّ سَارَ إِلَى الْخَابُورِ فَمَلَكَهُ جَمِيعَهُ، وَمَلَكَ نَصِيبِينَ، وَأَقَامَ بِهَا يَجْمَعُ الْعَسَاكِرَ، فَأَتَاهُ بِهَا نُورُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ قَرَا أَرْسِلَان بْنِ دَاوُدَ، صَاحِبُ حِصْنِ كَيْفَا، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَكَانَ قَدْ تَرَكَ أَكْثَرَ عَسَاكِرِهِ بِالشَّامِ ; لِحِفْظِ ثُغُورِهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ سَارَ إِلَى سَنْجَارَ، فَحَصَرَهَا، وَنَصَبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، وَمَلَكَهَا، وَسَلَّمَهَا إِلَى عِمَادِ الدِّينِ ابْنِ أَخِيهِ قُطْبِ الدِّينِ.

وَكَانَ قَدْ جَاءَتْهُ كُتُبُ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ بِالْمَوْصِلِ سِرًّا، يَبْذُلُونَ لَهُ الطَّاعَةَ، وَيَحُثُّونَهُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ، فَسَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَأَتَى مَدِينَةَ بَلَدٍ، وَعَبَرَ دِجْلَةَ عِنْدَهَا مَخَاضَةً إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَسَارَ فَنَزَلَ شَرْقَ الْمَوْصِلِ عَلَى حِصْنِ نِينَوَى، وَدِجْلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْصِلِ، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ يَوْمَ نُزُولِهِ سَقَطَ مِنْ سُورِ الْمَوْصِلِ بَدَنَةٌ كَبِيرَةٌ.

وَكَانَ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي وَفَخْرُ الدِّينِ قَدْ سَيَّرَا عِزَّ الدِّينِ مَسْعُودَ بْنَ قُطْبِ الدِّينِ إِلَى أَتَابِكِ شَمْسِ الدِّينِ إِيلْدِكْزَ، صَاحِبِ هَمَذَانَ وَبَلَدِ الْجَبَلِ، وَأَذْرَبِيجَانَ، وَأَصْفَهَانَ، وَالرَّيِّ وَتِلْكَ الْأَعْمَالِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى عَمِّهِ نُورِ الدِّينِ، فَأَرْسَلَ إِيلْدِكْزُ رَسُولًا إِلَى نُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>