ذِكْرُ غَزْوَةٍ إِلَى الْفِرِنْجِ بِالشَّامِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ مَرْكَبَانِ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ فَأَرْسَيَا بِمَدِينَةِ لَاذِقِيَّةَ، فَأَخَذَهُمَا الْفِرِنْجُ، وَهُمَا مَمْلُوءَانِ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالتُّجَّارِ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نُورِ الدِّينِ هُدْنَةٌ، فَنَكَثُوا وَغَدَرُوا، فَأَرْسَلَ نُورُ الدِّينِ إِلَيْهِمْ فِي الْمَعْنَى وَإِعَادَةِ مَا أَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِ التُّجَّارِ، فَغَالَطُوهُ، وَاحْتَجُّوا بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الْمَرْكَبَيْنِ كَانَا قَدِ انْكَسَرَا وَدَخَلَهُمَا الْمَاءُ.
وَكَانَ الشَّرْطُ أَنَّ كُلَّ مَرْكَبٍ يَنْكَسِرُ وَيَدْخُلُهُ الْمَاءُ يَأْخُذُونَهُ، فَلَمْ يَقْبَلْ مُغَالَطَتَهُمْ، وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ، وَبَثَّ السَّرَايَا فِي بِلَادِهِمْ بَعْضَهَا نَحْوَ أَنْطَاكِيَةَ، وَبَعْضَهَا نَحْوَ طَرَابُلُسَ، وَحَصَرَ هُوَ حِصْنَ عِرْقَةَ، وَخَرَّبَ رَبَضَهُ، وَأَرْسَلَ طَائِفَةً مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى حِصْنِ صَافِيثَا وَعُرَيْمَةَ، فَأَخَذَهُمَا عَنْوَةً، وَنَهَبَ وَخَرَّبَ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَعَادُوا إِلَيْهِ وَهُوَ بِعِرْقَةَ، فَسَارَ فِي الْعَسَاكِرِ جَمِيعِهَا إِلَى أَنْ قَارَبَ طَرَابُلُسَ يَنْهَبُ وَيُخَرِّبُ وَيَحْرِقُ وَيَقْتُلُ.
وَأَمَّا الَّذِينَ سَارُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، فَفَعَلُوا فِي وِلَايَتِهَا مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي وِلَايَةِ طَرَابُلُسَ، فَرَاسَلَهُ الْفِرِنْجُ، وَبَذَلُوا إِعَادَةَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَرْكَبَيْنِ، وَتَجْدِيدِ الْهُدْنَةِ مَعَهُمْ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَعَادُوا مَا أَخَذُوا وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَقَدْ خُرِّبَتْ بِلَادُهُمْ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ.
ذِكْرُ وَفَاةِ ابْنِ مَرْدَنِيشَ وَمُلْكِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِلَادَهُ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَرْدَنِيشَ، صَاحِبُ الْبِلَادِ بِشَرْقِ الْأَنْدَلُسِ، وَهِيَ: مُرْسِيَةُ وَبَلَنْسِيَةُ وَغَيْرُهُمَا، وَوَصَّى أَوْلَادَهُ أَنْ يَقْصِدُوا بَعْدَ مَوْتِهِ الْأَمِيرَ أَبَا يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، صَاحِبَ الْغَرْبِ وَالْأَنْدَلُسِ، وَتُسَلِّمُوا الْبِلَادَ وَتَدْخُلُوا فِي طَاعَتِهِ، فَلَمَّا مَاتَ قَصَدُوا يَعْقُوبَ، وَكَانَ قَدِ اجْتَازَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ فِي مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ قَبْلَ مَوْتِ ابْنِ مَرْدَنِيشَ، فَحِينَ رَآهُمْ يُوسُفُ فَرِحَ بِهِمْ، وَسَرَّهُ قُدُومَهُمْ عَلَيْهِ، وَتَسَلَّمَ بِلَادَهُمْ، وَتَزَوَّجَ أُخْتَهُمْ، وَأَكْرَمَهُمْ، وَعَظَّمَ أَمْرَهُمْ، وَوَصَلَهُمْ بِالْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ، وَأَقَامُوا مَعَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute