وَلَمَّا عَادَ الْمُنْهَزِمُونَ مَنْ عَسْكَرِ الْمُؤَيَّدِ إِلَى نَيْسَابُورَ مَلَّكُوا ابْنَهُ طُغَان شَاهْ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْمُؤَيَّدِ، وَاتَّصَلَ بِهِ سُلْطَان شَاهْ، ثُمَّ سَارَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ مَلِكِ الْغُورِيَّةِ، فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ وَأَحْسَنَ ضِيَافَتَهُ.
وَأَمَّا عَلَاءُ الدِّينِ تُكَشُ، فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ قَدَمُهُ بِخُوَارَزْمَ اتَّصَلَتْ بِهِ رُسُلُ الْخَطَا بِالِاقْتِرَاحَاتِ وَالتَّحَكُّمِ كَعَادَتِهِمْ، فَأَخَذَتْهُ حَمِيَّةُ الْمُلْكِ وَالدِّينِ، وَقَتَلَ أَحَدَ أَقَارِبِ الْمَلِكِ، وَكَانَ قَدْ وَرَدَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ أَرْسَلَهُمْ مَلِكُهُمْ فِي مُطَالَبَةِ خُوَارَزْم شَاهْ بِالْمَالِ، فَأَمَرَ خُوَارَزْم شَاهْ أَعْيَانَ خُوَارَزْمَ، فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنَ الْخَطَا، فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَنَبَذُوا إِلَى مَلِكِ الْخَطَا عَهْدَهُ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ سُلْطَان شَاهْ، فَسَارَ إِلَى مَلِكِ الْخَطَا وَاغْتَنَمَ الْفُرْصَةَ بِهَذِهِ الْحَالِ وَاسْتَنْجَدَهُ عَلَى أَخِيهِ عَلَاءِ الدِّينِ تُكَشَ، وَزَعَمَ لَهُ أَنَّ أَهْلَ خُوَارَزْمَ مَعَهُ يُرِيدُونَهُ، وَيَخْتَارُونَ مُلْكَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ رَأَوْهُ لَسَلَّمُوا الْبَلَدَ إِلَيْهِ، فَسَيَّرَ مَعَهُ جَيْشًا كَثِيرًا مِنَ الْخَطَا مَعَ قُومَا أَيْضًا، فَوَصَلُوا إِلَى خُوَارَزْمَ، فَحَصَرُوهَا، فَأَمَرَ خُوَارَزْم شَاهْ عَلَاءُ الدِّينِ بِإِجْرَاءِ مَاءِ جَيْحُونَ عَلَيْهِمْ فَكَادُوا يَغْرَقُونَ، فَرَحَلُوا وَلَمْ يَبْلُغُوا مِنْهَا غَرَضًا، وَلَحِقَهُمُ النَّدَمُ حَيْثُ لَمْ يَنْفَعْهُمْ، وَلَامُوا سُلْطَان شَاهْ وَعَنَّفُوهُ، فَقَالَ لِقُومَا: لَوْ أَرْسَلْتَ مَعِي جَيْشًا إِلَى مَرْوَ لَاسْتَخْلَصْتُهَا مِنْ يَدِ دِينَارٍ الْغُزِّيِّ، وَكَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا مِنْ حِينِ كَانَتْ فِتْنَةُ الْغُزِّ إِلَى الْآنِ، فَسَيَّرَ مَعَهُ جَيْشًا، فَنَزَلَ عَلَى سَرْخَسَ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ أَهْلِهَا، وَهَجَمُوا عَلَى الْغُزِّ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، فَلَمْ يَتْرُكُوا بِهَا أَحَدًا مِنْهُمْ، وَأَلْقَى دِينَارٌ مَلِكُهُمْ نَفْسَهُ فِي خَنْدَقِ الْقَلْعَةِ، فَأُخْرِجَ مِنْهُ، وَدَخَلَ الْقَلْعَةَ وَتَحَصَّنَ بِهَا.
وَسَارَ سُلْطَان شَاهْ إِلَى مَرْوَ، فَمَلَكَهَا، وَعَادَ الْخَطَا إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَجَعَلَ سُلْطَان شَاهْ دَأْبَهُ قِتَالَ الْغُزِّ وَقَصْدَهُمْ، وَالْقَتْلَ فِيهِمْ، وَالنَّهْبَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا عَجَزَ دِينَارٌ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ أَرْسَلَ إِلَى نَيْسَابُورَ إِلَى طُغَان شَاهْ بْنِ الْمُؤَيَّدِ يَقُولُ لَهُ لِيُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يُسَلِّمُ إِلَيْهِ قَلْعَةَ سَرْخَسَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ جَيْشًا مَعَ أَمِيرٍ اسْمُهُ قَرَاقُوشُ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ دِينَارٌ الْقَلْعَةَ وَلَحِقَ بِطُغَان شَاهْ، فَقَصَدَ سُلْطَان شَاهْ سَرْخَسَ، وَحَصَرَ قَلْعَتَهَا، وَبَلَغَ ذَلِكَ طُغَان شَاهْ، فَجَمَعَ جُيُوشَهُ وَقَصَدَ سَرْخَسَ، فَلَمَّا الْتَقَى هُوَ وَسُلْطَان شَاهْ فَرَّ طُغَان شَاهْ إِلَى نَيْسَابُورَ، وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَأَخْلَى قَرَاقُوشُ قَلْعَةَ سَرْخَسَ وَلَحِقَ بِصَاحِبِهِ، وَمَلَكَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute