للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَدَمُوهُ، وَدَخْلَ الْبَلَدَ، وَنَزَلَ فِي دَارِ وَالِدِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِدَارِ الْعَقِيقِيِّ، وَكَانَتِ الْقَلْعَةُ بِيَدِ خَادِمٍ اسْمُهُ رَيْحَانُ، فَأَحْضَرَ صَلَاحُ الدِّينِ كَمَالَ الدِّينِ بْنَ الشَّهْرَزُورِيَّ وَهُوَ قَاضِي الْبَلَدِ وَالْحَاكِمُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ مِنَ الدِّيوَانِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى رَيْحَانَ لِيُسَلِّمَ الْقَلْعَةَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: أَنَا مَمْلُوكُ الْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَمَا جِئْتُ إِلَّا لِأَنْصُرَهُ وَأَخْدِمَهُ، وَأُعِيدُ الْبِلَادَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَخْطُبُ لَهُ فِي بِلَادِهِ كُلِّهَا، فَصَعِدَ كَمَالُ الدَّيْنِ إِلَى رَيْحَانَ، وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى سَلَّمَ الْقَلْعَةَ، فَصَعِدَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَيْهَا، وَأَخْذَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَأَخْرَجَهَا وَاتَّسَعَ بِهَا وَثَبَّتَ قَدَمَهُ، وَقَوِيَتْ نَفْسُهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُظْهِرُ طَاعَةَ الْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَيُخَاطِبُهُ بِالْمَمْلُوكِ، وَالْخُطْبَةُ وَالسِّكَّةُ بِاسْمِهِ.

ذِكْرُ مُلْكِ صَلَاحِ الدِّينِ مَدِينَتَيْ حِمْصَ وَحَمَاةَ

لَمَّا اسْتَقَرَّ مُلْكُ صَلَاحِ الدِّينِ لِدِمَشْقَ، وَقَرَّرَ أَمْرَهَا، اسْتَخْلَفَ بِهَا أَخَاهُ سَيْفَ الْإِسْلَامِ طُغْدُكِينَ بْنَ أَيُّوبَ، وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ حِمْصَ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الْأُولَى، وَكَانَتْ حِمْصُ وَحَمَاةُ وَقَلْعَةُ بَعْرِينَ وَسَلَمِيَّةَ وَتَلُّ خَالِدٍ وَالرُّهَا مِنْ بَلْدِ الْجَزِيرَةِ فِي أَقَطَاعِ الْأَمِيرِ فَخْرِ الدِّينِ مَسْعُودِ الزَّعْفَرَانِيِّ، فَلَمَّا مَاتَ نُورُ الدِّينِ لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَقَامُ بِهَا لِسُوءِ سِيرَتِهِ فِي أَهْلِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي قِلَاعِ هَذِهِ الْبِلَادِ حُكْمٌ إِنَّمَا فِيهَا وُلَاةٌ لِنُورِ الدِّينِ. وَكَانَ بِقَلْعَةِ حِمْصَ وَالٍ يَحْفَظُهَا، فَلَمَّا نَزَلَ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى حِمْصَ، حَادِي عَشَرَ الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ، رَاسَلَ مَنْ فِيهَا بِالتَّسْلِيمِ، فَامْتَنَعُوا، فَقَاتَلَهُمْ مِنَ الْغَدِ، فَمَلَكَ الْبَلَدَ وَأَمَّنَ أَهْلَهُ، وَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقَلْعَةُ وَبَقِيَتْ مُمْتَنِعَةً إِلَى أَنْ عَادَ مِنْ حَلَبَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَتَرَكَ بِمَدِينَةِ حِمْصَ مَنْ يَحْفَظُهَا، وَيَمْنَعُ مَنْ بِالْقَلْعَةِ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَأَنْ تَصَعَدَ إِلَيْهِمْ مَيْرَةٌ.

وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ حَمَاةَ، وَهُوَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ لَا يُظْهِرُ إِلَّا طَاعَةَ الْمَلِكِ الصَّالِحِ بْنِ نُورِ الدِّينِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ لِحِفْظِ بِلَادِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَاسْتِعَادَةِ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>