أَخَذَهُ سَيْفُ الدِّينِ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ مِنَ الْبِلَادِ الْجَزَرِيَّةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى حَمَاةَ مَلَكَ الْمَدِينَةَ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانَ بِقَلْعَتِهَا الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ جُورْدِيكُ، وَهُوَ مِنَ الْمَمَالِيكِ النُّورِيَّةِ، فَامْتَنَعَ مِنَ التَّسْلِيمِ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ صَلَاحُ الدِّينِ يُعَرِّفُهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَةِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ حِفْظَ بِلَادِهِ عَلَيْهِ، فَاسْتَحْلَفَهُ جُورْدِيكُ عَلَى ذَلِكَ فَحَلِفَ وَسَيَّرَهُ إِلَى حَلَبَ فِي اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ عَلَى طَاعَةِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَفِي إِطْلَاقِ شَمْسِ الدِّينِ عَلِيٍّ وَحَسَنٍ وَعُثْمَانَ أَوْلَادِ الدَّايَةِ مِنَ السِّجْنِ، فَسَارَ جُورْدِيكُ إِلَى حَلَبَ، وَاسْتَخْلَفَ بِقَلْعَةِ حَمَاةَ أَخَاهُ لِيَحْفَظَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ جُورْدِيكُ إِلَى حَلَبَ قَبَضَ عَلَيْهِ كَمُشْتَكِينَ وَسَجَنَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَخُوهُ بِذَلِكَ سَلَّمَ الْقَلْعَةَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ فَمَلَكَهَا.
ذِكْرُ حَصْرِ صَلَاحِ الدِّينِ حَلَبَ وَعَوْدِهِ عَنْهَا وَمُلْكِهِ قَلْعَةَ حِمْصَ وَبَعْلَبَكَّ
لَمَّا مَلَكَ صَلَاحُ الدِّينِ حَمَاةَ سَارَ إِلَى حَلَبَ فَحَصَرَهَا ثَالِثَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا، وَرَكِبَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ، وَهُوَ صَبِيٌّ عُمْرُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَمَعَ أَهْلَ حَلَبَ وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمْ إِحْسَانَ أَبِي إِلَيْكُمْ وَمَحَبَّتَهُ لَكُمْ وَسِيرَتَهُ فِيكُمْ، وَأَنَا يَتِيمُكُمْ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا الظَّالِمُ الْجَاحِدُ إِحْسَانُ وَالِدِي إِلَيْهِ يَأْخُذُ بَلَدِي وَلَا يُرَاقِبُ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا الْخَلْقَ، وَقَالَ مِنْ هَذَا كَثِيرًا وَبَكَى فَأَبْكَى النَّاسَ، فَبَذَلُوا لَهُ الْأَمْوَالَ وَالْأَنْفُسَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْقِتَالِ دُونَهُ، وَالْمَنْعِ عَنْ بَلَدِهِ، وَجَدُّوا فِي الْقِتَالِ، وَفِيهِمْ شَجَاعَةٌ، قَدْ أَلِفُوا الْحَرْبَ وَاعْتَادُوهَا، حَيْثُ كَانَ الْفِرِنْجُ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ، فَكَانُوا يَخْرُجُونَ وَيُقَاتِلُونَ صَلَاحَ الدِّينِ عِنْدَ جَبَلِ جَوْشَنَ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقُرْبِ مِنَ الْبَلَدِ.
وَأَرْسَلَ سَعْدُ الدِّينِ كَمُشْتَكِينُ إِلَى سِنَانَ مُقَدَّمِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَبَذَلَ لَهُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً لِيَقْتُلُوا صَلَاحَ الدِّينِ، فَأَرْسَلُوا جَمَاعَةً مِنْهُمْ إِلَى عَسْكَرِهِ، فَلَمَّا وَصَلُوا رَآهُمْ أَمِيرٌ اسْمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute