ابْنِ بِزَانَ عَدَاوَةٌ مَحْكَمَةٌ، فَلَمَّا اسْتَنَابَ سَيْفُ الدِّينِ مُجَاهِدَ الدِّينِ بِالْمَوْصِلِ خَافَ ابْنُ بِزَانَ أَنْ يَنَالَهُ مِنْهُ أَذَىً، فَأَظْهَرَ الِامْتِنَاعَ مِنَ النُّزُولِ إِلَى الْخِدْمَةِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ جَلَالُ الدِّينِ وَزِيرُ سَيْفِ الدِّينِ كِتَابًا يَأْمُرُهُ بِمُعَاوَدَةِ الطَّاعَةِ، وَيُحَذِّرُهُ عَاقِبَةَ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْكُتُبِ وَأَبْلَغِهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلَوْلَا خَوْفُ التَّطْوِيلِ لَذَكَرْتُهُ، فَلْيُطْلَبُ مِنْ مُكَاتَبَاتِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابُ وَالرَّسُولُ بَادَرَ إِلَى حُضُورِ الْخِدْمَةِ بِالْمَوْصِلِ وَزَالَ الْخُلْفُ.
ذِكْرُ فَرَجٍ بَعْدَ شِدَّةٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّارِيخِ
بِالْقُرْبِ مِنْ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ حِصْنٌ مَنِيعٌ مِنْ أَمْنَعِ الْمَعَاقِلِ اسْمُهُ فَنَكُ، وَهُوَ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ عَالٍ، وَهُوَ لِلْأَكْرَادِ الْبَشْنَوِيَّةِ، لَهُ بِأَيْدِيهِمْ نَحْوُ ثَلَاثِمِاِئَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ صَاحِبَهُ هَذِهِ السَّنَةَ أَمِيرٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ، وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عِيسَى، قَدْ خَرَجَ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَزَالُ يَسْعَى فِي أَخْذِهِ مِنْ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَطَاعَهُ بَعْضُ بِطَانَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَفَتَحَ بَابَ السِّرِّ لَيْلًا، وَأَصْعَدَ مِنْهُ إِلَى رَأْسِ الْقَلْعَةِ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى، فَقَبَضُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا نَفَرٌ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَهَذِهِ قِلَّةٌ عَلَى صَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَنْ سَائِرِ الْقَلْعَةِ ارْتِفَاعًا كَثِيرًا، وَبِهَا يَسْكُنُ الْأَمِيرُ وَأَهْلُهُ وَخَوَاصُّهُ، وَبَاقِي الْجُنْدِ فِي الْقَلْعَةِ تَحْتَ الْقُلَّةِ، فَلَمَّا قَبَضُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ جَعَلُوهُ فِي خِزَانَةٍ، وَضَرَبَهُ بَعْضُهُمْ بِسَيْفٍ فِي يَدِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، فَلَمَّا جُعِلَ فِي الْخِزَانَةِ وَكَّلَ بِهِ رَجُلَانِ، وَصَعِدَ الْبَاقُونَ إِلَى سَطْحِ الْقُلَّةِ، وَلَا يَشُكُّونَ أَنَّ الْقَلْعَةَ لَهُمْ لَا مَانِعَ عَنْهَا.
وَوَصَلَ مِنَ الْغَدِ بُكْرَةً الْأَمِيرُ عِيسَى لِيَتَسَلَّمَ الْقَلْعَةَ، وَبَيْنَهُمَا دِجْلَةُ وَكَانَتِ امْرَأَةُ الْأَمِيرِ إِبْرَاهِيمَ فِي خِزَانَةٍ أُخْرَى، وَفِيهَا شُبَّاكُ حَدِيدٍ ثَقِيلٍ يُشْرِفُ عَلَى الْقَلْعَةِ، فَجَذَبَتْهُ بِيَدِهَا فَانْقَلَعَ، وَجُنْدُ زَوْجِهَا فِي الْقَلْعَةِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ، فَلَمَّا قَلَعَتِ الشُّبَّاكَ أَرَادَتْ أَنْ تُدْلِيَ حَبْلًا تَرْفَعُ بِهِ الرِّجَالَ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا غَيْرُ ثِيَابٍ خَامٍ، فَوَصَلَتْ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَدَلَّتْهَا إِلَى الْقَلْعَةِ، وَشَدَّتْ طَرَفَيْهَا عِنْدَهَا فِي عُودٍ فَأَصْعَدَتْ إِلَيْهَا عَشَرَةَ رِجَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَرَاهُمُ الَّذِينَ عَلَى السَّطْحِ.
وَرَأَى الْأَمِيرُ عِيسَى، وَهُوَ عَلَى جَانِبِ دِجْلَةَ، الرِّجَالَ يَصْعَدُونَ، فَصَاحَ هُوَ وَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute