وَفِيهَا كَانَتْ فِتْنَةٌ بِبَغْدَادَ، وَسَبَبُهَا أَنَّهُ حَضَرَ قَوْمٌ مِنْ مُسْلِمِي الْمَدَائِنِ إِلَى بَغْدَادَ، فَشَكُوا مَنْ يَهُودِهَا، وَقَالُوا: لَنَا مَسْجِدٌ نُؤَذِّنُ فِيهِ وَنُصَلِّي، وَهُوَ مُجَاوِرُ الْكَنِيسَةِ، فَقَالَ لَنَا الْيَهُودُ: قَدْ آذَيْتُمُونَا بِكَثْرَةِ الْأَذَانِ، فَقَالَ الْمُؤَذِّنُ: مَا نُبَالِي بِذَلِكَ، فَاخْتَصَمُوا، وَكَانَتْ فِتْنَةٌ اسْتَظْهَرَ فِيهَا الْيَهُودُ، فَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ يَشْكُونَ مِنْهُمْ، فَأَمَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ، بِحَبْسِهِمْ، ثُمَّ أُخْرِجُوا، فَقَصَدُوا جَامِعَ الْقَصْرِ، وَاسْتَغَاثُوا قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَخَفَّفَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ، فَعَادُوا يَسْتَغِيثُونَ، فَأَتَاهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْجُنْدِ وَمَنَعُوهُمْ، فَلَمَّا رَأَى الْعَامَّةُ مَا فُعِلَ بِهِمْ غَضِبُوا نُصْرَةً لِلْإِسْلَامِ، فَاسْتَغَاثُوا، وَقَالُوا أَشْيَاءَ قَبِيحَةً، وَقَلَعُوا طَوَابِيقَ الْجَامِعِ، وَرَجَمُوا الْجُنْدَ فَهَرَبُوا، ثُمَّ قَصَدَ الْعَامَّةُ دَكَاكِينَ الْمُخَلَّطِينَ، لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَهُودٌ، فَنَهَبُوهَا، وَأَرَادَ حَاجِبُ الْبَابِ مَنْعَهُمْ، فَرَجَمُوهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ، وَانْقَلَبَ الْبَلَدُ، وَخَرَّبُوا الْكَنِيسَةَ الَّتِي عِنْدَ دَارِ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَأَحْرَقُوا التَّوْرَاةَ فَاخْتَفَى الْيَهُودُ، وَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ تُنْقَضَ الْكَنِيسَةُ الَّتِي بِالْمَدَائِنِ وَتُجْعَلَ مَسْجِدًا، وَنُصِبَ بِالرَّحَبَةِ أَخْشَابٌ لِيُصْلَبَ عَلَيْهَا قَوْمٌ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، فَظَنَّهَا الْعَامَّةُ نُصِبَتْ تَخْوِيفًا لَهُمْ لِأَجْلِ مَا فَعَلُوا، فَعَلَّقُوا عَلَيْهَا فِي اللَّيْلِ جِرْذَانًا مَيْتَةً، وَأُخْرِجَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَبْسِ لُصُوصٌ فَصُلِبُوا عَلَيْهَا.
وَفِيهَا، فِي شَعْبَانَ، قَبَضَ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، عَلَى وَزِيرِهِ جَلَالِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ بِغَيْرِ جُرْمٍ وَلَا عَجْزٍ، وَلَا لِتَقْصِيرٍ، بَلْ لِعَجْزِ سَيْفِ الدِّينِ، فَإِنَّ جَلَالَ الدِّينِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُجَاهِدِ الدِّينِ قَايْمَازَ مُشَاحَنَةٌ، فَقَالَ مُجَاهِدُ الدِّينِ لِسَيْفِ الدِّينِ: لَابُدَّ مِنْ قَبْضِ الْوَزِيرِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ كَارِهًا لِذَلِكَ، ثُمَّ شَفَعَ ابْنُ نِيسَانَ رَئِيسُ آمِدَ لِصِهْرٍ بَيْنَهُمَا، فَأُخْرِجَ، وَسَارَ إِلَى آمِدَ فَمَرِضَ بِهَا، وَعَادَ إِلَى دُنَيْسِرَ، فَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] وَعُمْرُهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَحُمِلَ إِلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدُفِنَ عِنْدَ وَالِدِهِ فِي الرِّبَاطِ الَّذِي بَنَاهُ بِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute