مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهَ الْمُقِيمِ عِنْدَ إِيلْدِكْزَ بِهَمَذَانَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَرْسَلَانُ قَدْ تُوُفِّيَ.
وَفِيهَا، سَابِعَ شَوَّالٍ، هَبَّتْ بِبَغْدَادَ رِيحٌ عَظِيمَةٌ، فَزُلْزِلَتِ الْأَرْضُ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، فَبَقِيَ ذَلِكَ سَاعَةً ثُمَّ انْجَلَتْ، وَقَدْ وَقَعَ كَثِيرٌ مِنَ الدُّورِ، وَمَاتَ فِيهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ.
وَفِيهَا، رَابِعَ ذِي الْقِعْدَةِ، قُتِلَ عَضُدُ الدِّينِ أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْمُسْلِمَةِ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى الْحَجِّ فَعَبَرَ دِجْلَةَ لِيَسِيرَ، وَعَبَرَ مَعَهُ أَرْبَابُ مَنَاصِبَ، وَهُوَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ، وَتَقَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ أَنْ لَا يَمْنَعُوا عَنْهُ أَحَدًا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَابِ قُطُفْتَا لَقِيَهُ كَهْلٌ فَقَالَ: أَنَا مَظْلُومٌ، وَتَقَدَّمَ لِيَسْمَعَ الْوَزِيرُ كَلَامَهُ، فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فِي خَاصِرَتِهِ، فَصَاحَ الْوَزِيرُ: قَتَلْتَنِي! وَوَقَعَ مِنَ الدَّابَّةِ، وَسَقَطَتْ عِمَامَتُهُ، فَغَطَّى رَأْسَهُ بِكُمِّهِ، وَضَرَبَ الْبَاطِنِيَّ بِسَيْفٍ، وَعَادَ إِلَى الْوَزِيرِ فَضَرَبَهُ، وَأَقْبَلَ حَاجِبُ الْبَابِ ابْنُ الْمُعْوَجِّ لِيَنْصُرَ الْوَزِيرَ، فَضَرْبَهُ الْبَاطِنِيُّ بِسِكِّينٍ وَقِيلَ بَلْ ضَرَبَهُ رَفِيقٌ كَانَ لِلْبَاطِنِيِّ، ثُمَّ قُتِلَ الْبَاطِنِيُّ وَرَفِيقُهُ، وَكَانَ لَهُمَا رَفِيقٌ ثَالِثٌ، فَصَاحَ وَبِيَدِهِ سِكِّينٌ فَقُتِلَ وَلَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا. وَأَحْرَقُوا ثَلَاثَتَهُمْ وَحُمِلَ الْوَزِيرُ إِلَى دَارٍ لَهُ هُنَاكَ، وَحُمِلَ حَاجِبُ الْبَابِ مَجْرُوحًا إِلَى بَيْتِهِ، فَمَاتَ هُوَ وَالْوَزِيرُ، وَحُمِلَ الْوَزِيرُ فَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيهِ بِمَقْبَرَةِ الرِّبَاطِ عِنْدَ جَامِعِ الْمَنْصُورِ.
وَكَانَ الْوَزِيرُ قَدْ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ مُعَانِقُ عُثْمَانَ بْنِ [عَفَّانَ] ، وَحَكَى عَنْهُ وَلَدُهُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَقَالَ: هَذَا غُسْلُ الْإِسْلَامِ، وَأَنَا مَقْتُولٌ بِلَا شَكٍّ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ أَبُوهُ أُسْتَاذَ دَارِ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ، فَلَمَّا مَاتَ وُلِّيَ هُوَ مَكَانَهُ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ الْمُقْتَفِي، فَأَقَرَّهُ الْمُسْتَنْجِدُ عَلَى ذَلِكَ وَرَفَعَ قَدْرَهُ، فَلَمَّا وُلِّيَ الْمُسْتَضِيءُ اسْتَوْزَرَهُ، وَكَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ، سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَلَهُ مَعْرُوفٌ كَثِيرٌ، وَكَانَتْ دَارُهُ مَجْمَعًا لِلْعُلَمَاءِ، وَخُتِمَتْ أَعْمَالُهُ بِالشَّهَادَةِ وَهُوَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute