وَقَوُوا جَنَانَهُ، وَكَثَّرُوا سَوَادَهُ، وَكَانَ عِنْدَهُ إِقْدَامٌ وَجُرْأَةٌ فَصَارَ وَاحِدَ الدَّوْلَةِ بِحَلَبَ، وَمَنْ يَصْدُرُ الْجَمَاعَةُ عَنْ رَأْيِهِ وَأَمْرِهِ.
فَبَيْنَمَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي الْجَامِعِ وَثَبَ بِهِ الْبَاطِنِيَّةُ فَقَتَلُوهُ وَمَضَى شَهِيدًا، وَتَمَكَّنَ بَعْدَهُ سَعْدُ الدِّينِ وَقَوِيَ حَالُهُ، فَلَمَّا قُتِلَ أَحَالَ الْجَمَاعَةُ قَتْلَهُ عَلَى سَعْدِ الدِّينِ، وَقَالُوا: هُوَ وَضَعَ الْبَاطِنِيَّةَ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَنَسَبُوهُ إِلَى الْعَجْزِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ، وَأَنَّ سَعْدَ الدِّينِ قَدْ تَحَكَّمَ عَلَيْهِ وَاحْتَقَرَهُ وَاسْتَصْغَرَهُ، وَقَتَلَ وَزِيرَهُ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَبَضَ عَلَيْهِ.
وَكَانَتْ قَلْعَةُ حَارِمَ لِسَعْدِ الدِّينِ قَدْ أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا الْمَلِكُ الصَّالِحُ، فَامْتَنَعَ مَنْ بِهَا بَعْدَ قَبْضِهِ، وَتَحَصَّنُوا فِيهَا، فَسُيِّرَ سَعْدُ الدِّينِ إِلَيْهَا تَحْتَ الِاسْتِظْهَارِ لِيَأْمُرَ أَصْحَابَهُ بِتَسْلِيمِهَا إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ، فَأَمْرَهُمْ بِذَلِكَ، فَامْتَنَعُوا، فَعَذَّبَ كُمُشْتَكِينَ وَأَصْحَابُهُ يَرَوْنَهُ وَلَا يَرْحَمُونَهُ، فَمَاتَ فِي الْعَذَابِ، وَأَصَرَّ أَصْحَابُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَالْعِصْيَانِ.
فَلَمَّا رَأَى الْفِرِنْجُ ذَلِكَ سَارُوا إِلَى حَارِمَ مِنْ حَمَاةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى، عَلَى مَا نُذْكُرُهُ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ، وَأَنَّ الْمَلِكَ الصَّالِحَ صَبِيٌّ قَلِيلُ الْعَسْكَرِ، وَصَلَاحَ الدِّينِ بِمِصْرَ، فَاغْتَنَمُوا هَذِهِ الْفُرْصَةَ وَنَازَلُوهَا وَأَطَالُوا الْمَقَامَ عَلَيْهَا مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَنَصَبُوا عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ وَالسَّلَالِمَ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنْ بَذَلَ لَهُمُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ مَالًا، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ صَلَاحَ الدِّينِ وَاصِلٌ إِلَى الشَّامِ، وَرُبَّمَا سَلَّمَ الْقَلْعَةَ مَنْ بِهَا إِلَيْهِ، فَأَجَابُوهُ حِينَئِذٍ إِلَى الرَّحِيلِ عَنْهَا، فَلَمَّا رَحَلُوا عَنْهَا سَيَّرَ إِلَيْهَا الْمَلِكُ الصَّالِحُ جَيْشًا فَحَصَرُوهَا، وَقَدْ بَلَغَ الْجَهْدُ مِنْهُمْ بِحِصَارِ الْفِرِنْجِ، وَصَارُوا كَأَنَّهُمْ طَلَائِعُ، وَكَانَ قَدْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِهَا وَجُرِحَ كَثِيرٌ، فَسَلَّمُوا الْقَلْعَةَ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ، فَاسْتَنَابَ بِهَا مَمْلُوكًا كَانَ لِأَبِيهِ اسْمُهُ سَرْخَكُ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْمُحَرَّمِ، خُطِبَ لِلسُّلْطَانِ طُغْرُلَ بْنَ أَرْسَلَانَ بْنِ طُغْرُلَ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute