للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ أَنَّهُ وَصَلَ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى السَّاحِلِ الشَّامِيِّ كُنْدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْفِرِنْجِ مِنْ أَكْبَرِ طَوَاغِيتِهِمْ، فَرَأَى صَلَاحَ الدِّينِ بِمِصْرَ قَدْ عَادَ مُنْهَزِمًا، فَاغْتَنَمَ خُلُوَّ الْبِلَادِ، لِأَنَّ شَمْسَ الدَّوْلَةِ بْنَ أَيُّوبَ كَانَ بِدِمَشْقَ يَنُوبُ عَنْ صَلَاحِ الدِّينِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَكَانَ أَيْضًا كَثِيرَ الِانْهِمَاكِ فِي اللَّذَّاتِ مَائِلًا إِلَى الرَّاحَاتِ، فَجَمَعَ ذَلِكَ الْكُنْدُ الْفِرِنْجِيُّ مَنْ بِالشَّامِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَفَرَّقَ فِيهِمُ الْأَمْوَالَ، وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ حَمَاةَ فَحَصَرَهَا وَبِهَا صَاحِبُهَا شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودُ الْحَارِمِيُّ، خَالُ صَلَاحِ الدِّينِ، وَهُوَ مَرِيضٌ شَدِيدُ الْمَرَضِ، وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ الصَّلَاحِيِّ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، فَدَخَلُوا إِلَيْهَا وَأَعَانُوا مَنْ بِهَا.

وَقَاتَلَ الْفِرِنْجُ عَلَى الْبَلَدِ قِتَالًا شَدِيدًا وَهَجَمُوا بَعْضَ الْأَيَّامِ عَلَى طَرَفٍ مِنْهُ، وَكَادُوا يَمْلِكُونَ الْبَلَدَ قَهْرًا وَقَسْرًا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْبَلَدِ مَعَ الْعَسْكَرِ إِلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَاسْتَقَلَّ الْمُسْلِمُونَ وَحَامَوْا عَنِ الْأَنْفُسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ، فَأَخْرَجُوا الْفِرِنْجَ مِنَ الْبَلَدِ إِلَى ظَاهِرِهِ، وَدَامَ الْقِتَالُ ظَاهِرَ الْبَلَدِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَقَوِيَتْ نُفُوسُ الْمُسْلِمِينَ حِينَ أَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْبَلَدِ، وَطَمِعُوا فِيهِمْ، وَأَكْثَرُوا فِيهِمُ الْقَتْلَ، فَرَحَلَ الْفِرِنْجُ حِينَئِذٍ خَائِبِينَ، وَكَفَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ، فَسَارُوا إِلَى حَارِمٍ فَحَصَرُوهَا، وَكَانَ مَقَامُهُمْ عَلَى حَمَاةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ.

وَلَمَّا رَحَلَ الْفِرِنْجُ عَنْ حَمَاةَ مَاتَ صَاحِبُهَا شِهَابُ الدِّينِ الْحَارِمِيُّ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ مِنْ أَحْسَنِ الشَّبَابِ مَاتَ قَبْلَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

ذِكْرُ قَتْلِ كُمُشْتَكِينَ وَحَصْرِ الْفِرِنْجِ حَارِمَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ بْنُ نُورِ الدِّينِ عَلَى سَعْدِ الدِّينِ كُمُشْتَكِينَ، وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِ دَوْلَتِهِ وَالْحَاكِمَ فِيهَا، وَسَبَبُ قَبْضِهِ أَنَّهُ كَانَ بِحَلَبَ إِنْسَانٌ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ أَبُو صَالِحِ بْنُ الْعَجَمِيِّ، وَكَانَ مُقْدَّمًا عِنْدَ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودٍ، فَلَمَّا مَاتَ نُورُ الدِّينِ تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي دَوْلَةِ وَلَدِهِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَزِيرِ الْكَبِيرِ الْمُتَمَكِّنِ لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ بِحَلَبَ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَحْسُدُ كُمُشْتَكِينَ انْضَمَّ إِلَى صَالِحٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>