للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَبِيدَ، فَخَافَهُ حِطَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ وَاسْتَشْعَرَ مِنْهُ، وَتَحَصَّنَ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ سَيْفُ الْإِسْلَامِ يُؤَمِّنُهُ وَيُهْدِي إِلَيْهِ وَيَتَلَطَّفُهُ حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهِ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُ، وَاعْتَمَدَ مَعَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَتَوَقَّعُهُ مِنَ الْإِحْسَانِ، فَلَمْ يَثِقْ حِطَّانُ بِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ دُسْتُورًا لِيَقْصِدَ الشَّامَ، فَامْتَنَعَ مِنْ إِجَابَتِهِ إِظْهَارًا لِلرَّغْبَةِ فِي كَوْنِهِ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ حِطَّانُ يُرَاجِعُهُ حَتَّى أَذِنَ لَهُ، فَأَخْرَجَ أَثْقَالَهُ، وَأَمْوَالَهُ، وَدَوَابَّهُ، وَأَهْلَهُ، وَأَصْحَابَهُ، وَكُلَّ مَا لَهُ، وَسَيَّرَ الْجَمِيعَ بَيْنَ يَدَيْهِ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَخَلَ عَلَى سَيْفِ الْإِسْلَامِ لِيُوَدِّعَهُ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَ جَمِيعَ مَالَهُ فَأَخَذَهُ عَنْ آخِرِهِ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، ثُمَّ سَجَنَهُ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ، وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، فَقِيلَ إِنَّهُ قَتَلَهُ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَا أَخَذَ مِنْهُ مِنَ الْأَمْوَالِ الذَّهَبُ الْعَيْنُ فِي سَبْعِينَ غِلَافًا زَرْدِيَّةً مَمْلُوءَةً عَيْنًا.

وَأَمَّا عِزُّ الدِّينِ عُثْمَانُ الزَّنْجِيلِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ مَا جَرَى عَلَى حِطَّانَ خَافَ فَسَارَ نَحْوَ الشَّامِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، وَسَيَّرَ مُعْظَمَ أَمْوَالِهِ فِي الْبَحْرِ، فَصَادَفَهُمْ مَرَاكِبُ فِيهَا أَصْحَابُ سَيْفِ الْإِسْلَامِ، فَأَخَذُوا كُلَّ مَا لِعِزِّ الدِّينِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا مَا صَحِبَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَصَفَتْ زَبِيدُ وَعَدَنُ وَمَا مَعَهُمَا مِنَ الْبِلَادِ لِسَيْفِ الْإِسْلَامِ.

ذِكْرُ إِغَارَةِ صَلَاحِ الدِّينِ عَلَى الْغَوْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ بِلَادِ الْفِرِنْجِ

لَمَّا وَصَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى دِمَشْقَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَقَامَ أَيَّامًا يُرِيحُ وَيَسْتَرِيحُ هُوَ وَجَنْدُهُ، ثُمَّ سَارَ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَصَدَ طَبَرِيَّةَ، فَنَزَلَ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، وَخَيَّمَ فِي الْأُقْحُوَانَةِ مِنَ الْأُرْدُنِّ، وَجَاءَتِ الْفِرِنْجُ بِجُمُوعِهَا فَنَزَلَتْ بِطَبَرِيَّةَ، فَسَيَّرَ صَلَاحُ الدِّينِ فَرُّخْشَاهَ ابْنَ أَخِيهِ إِلَى بَيْسَانَ، فَدَخَلَهَا قَهْرًا، وَغَنِمَ مَا فِيهَا، وَقَتَلَ وَسَبَى، وَجَحَفَ الْغَوْرَ غَارَةً شَعْوَاءَ، فَعَمَّ أَهْلَهُ قَتْلًا وَأَسْرًا. وَجَاءَتِ الْعَرَبُ فَأَغَارَتْ عَلَى جِينِينَ وَاللَّجُونِ وَتِلْكَ الْوِلَايَةِ، حَتَّى قَارَبُوا مَرْجَ عَكَّا.

وَسَارَ الْفِرِنْجُ مِنْ طَبَرِيَّةَ، فَنَزَلُوا تَحْتَ جَبَلِ كَوْكَبَ، فَتَقَدَّمَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَيْهِمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>