للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ الظَّفَرِ بِالْفِرِنْجِ فِي بَحْرِ عَيْذَابَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَمِلَ الْبُرُنْسُ صَاحِبُ الْكَرَكِ أُسْطُولًا، وَفَرَغَ مِنْهُ بِالْكَرَكِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا جَمْعُ قِطَعِهِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، وَحَمْلُهَا إِلَى بَحْرِ أَيْلَةَ، وَجَمْعُهَا فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ.

وَفَرَغَ مِنْهَا وَشَحَنَهَا بِالْمُقَاتَلَةِ وَسَيَّرَهَا، فَسَارُوا فِي الْبَحْرِ، وَافْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ: فَرِقَّةٌ أَقَامَتْ عَلَى حِصْنِ أَيْلَةَ وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ يَحْصُرُونَهُ، وَيَمْنَعُ أَهْلَهُ مِنْ وُرُودِ الْمَاءِ، فَنَالَ أَهْلَهُ شِدَّةٌ شَدِيدَةٌ وَضِيقٌ عَظِيمٌ، أَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ سَارُوا نَحْوَ عَيْذَابَ، وَأَفْسَدُوا فِي السَّوَاحِلِ، وَنَهَبُوا وَأَخَذُوا مَا وَجَدُوا مِنَ الْمَرَاكِبِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَمَنْ فِيهَا مِنَ التُّجَّارِ، وَبَغَتُوا النَّاسَ فِي بِلَادِهِمْ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْهَدُوا بِهَذَا الْبَحْرِ فِرِنْجِيًّا قَطُّ لَا تَاجِرًا وَلَا مُحَارِبًا.

وَكَانَ بِمِصْرَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَيُّوبَ يَنُوبُ عَنْ أَخِيهِ صَلَاحِ الدِّينِ، فَعَمَّرَ أُسْطُولًا وَسَيَّرَهُ، وَفِيهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمُقَدَّمُهُمْ حُسَامُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ، وَهُوَ مُتَوَلِّي الْأُسْطُولَ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَكَانَ مُظَفَّرًا فِيهِ، شُجَاعًا، كَرِيمًا، فَسَارَ لُؤْلُؤٌ مُجِدًّا فِي طَلَبِهِمْ، فَابْتَدَأَ بِالَّذِينِ عَلَى أَيْلَةَ فَانْقَضَّ عَلَيْهِمِ انْقِضَاضَ الْعُقَابِ عَلَى صَيْدِهَا، فَقَاتَلَهُمْ، فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ، وَأَسَرَ الْبَاقِي، وَسَارَ مِنْ وَقْتِهِ بَعْدَ الظَّفَرِ يَقُصُّ أَثَرَ الَّذِينَ قَصَدُوا عَيْذَابَ، فَلَمْ يَرَهُمْ، وَكَانُوا قَدْ أَغَارُوا عَلَى مَا وَجَدُوهُ بِهَا، وَقَتَلُوا مَنْ لَقَوْهُ عِنْدَهَا، وَسَارُوا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرْسَى لِيَفْعَلُوا كَمَا فَعَلُوا فِيهِ، وَكَانُوا عَازِمِينَ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الْحِجَازِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ - حَرَسَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَأَخْذِ الْحَاجِّ وَمَنْعِهَمْ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَالدُّخُولِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَمَنِ.

فَلَمَّا وَصَلَ لُؤْلُؤٌ إِلَى عَيْذَابَ وَلَمْ يَرَهُمْ سَارَ يَقْفُو أَثَرَهُمْ، فَبَلَغَ رَابِغَ وَسَاحِلَ الْجَوْزَاءِ وَغَيْرَهُمَا، فَأَدْرَكَهُمْ بِسَاحِلِ الْجَوْزَاءِ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ هُنَاكَ، فَلَمَّا رَأَوُا الْعَطَبَ وَشَاهَدُوا الْهَلَاكَ خَرَجُوا إِلَى الْبَرِّ، وَاعْتَصَمُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ، فَنَزَلَ لُؤْلُؤٌ مِنْ مَرَاكِبِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَاتَلَهُمْ أَشَدَّ قِتَالٍ، وَأَخَذَ خَيْلًا مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ هُنَاكَ، فَرَكِبَهَا، وَقَاتَلَهُمْ فُرْسَانًا وَرَجَّالَةً، فَظَفِرَ بِهِمْ وَقَتَلَ أَكْثَرَهُمْ، وَأَخَذَ الْبَاقِينَ أَسْرَى، وَأَرْسَلَ بَعْضَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>