الْبُقْشُ دَيِّنًا خَيِّرًا عَادِلًا حَسَنَ السِّيرَةِ حَلِيمًا، فَأَحْسَنَ تَرْبِيَتَهُ وَتَزَوَّجَ أُمَّهُ، فَلَمَّا كَبِرَ الْوَلَدُ لَمْ يُمَكِّنْهُ النِّظَامُ مِنْ مَمْلَكَتِهِ لِخَبْطٍ وَهَوَجٍ فِيهِ، وَكَانَ لِنِظَامِ الدِّينِ هَذَا مَمْلُوكٌ اسْمُهُ لُؤْلُؤٌ قَدْ تَحَكَّمَ فِي دَوْلَتِهِ وَحَكَمَ فِيهَا، فَكَانَ يَحْمِلُ النِّظَامَ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مَعَ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ الْوَلَدُ وَلَهُ أَخٌ أَصْغَرُ مِنْهُ لَقَبُهُ قُطْبُ الدِّينِ، فَرَتَّبَهُ النِّظَامُ فِي الْمُلْكِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْهُ إِلَّا الِاسْمُ، وَالْحُكْمُ إِلَى النِّظَامِ وَلُؤْلُؤٍ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ، فَمَرِضَ النِّظَامُ الْبُقْشُ فَأَتَاهُ قُطْبُ الدِّينِ يَعُودُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ خَرَجَ مَعَهُ لُؤْلُؤٌ وَضَرَبَهُ قُطْبُ الدِّينِ بِسِكِّينٍ مَعَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَى النِّظَامِ وَبِيَدِهِ السِّكِّينُ فَقَتَلَهُ أَيْضًا، وَخَرَجَ وَحْدَهُ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ وَأَلْقَى الرَّأْسَيْنِ إِلَى الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا كُلُّهُمْ قَدْ أَنْشَأَهُمُ النِّظَامُ وَلُؤْلُؤٌ فَأَذْعَنُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ أَخْرَجَ مَنْ أَرَادَ وَتَرَكَ مَنْ أَرَادَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى قَلْعَةِ مَارِدِينَ وَأَعْمَالِهَا وَقَلْعَةِ الْبَارِعِيَّةِ وَصُورَ، وَهُوَ إِلَى الْآنَ حَاكِمٌ فِيهَا حَازِمٌ فِي أَفْعَالِهِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
[الْوَفَيَاتُ] فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ صَدْرُ الدِّينِ شَيْخُ الشُّيُوخِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ شَيْخِ الشُّيُوخِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ شَيْخِ الشُّيُوخِ أَبِي سَعِيدٍ أَحْمَدَ فِي شَعْبَانَ، وَكَانَ قَدْ سَارَ فِي دِيوَانِ الْخِلَافَةِ رَسُولًا إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَمَعَهُ شِهَابُ الدِّينِ بَشِيرٌ الْخَادِمُ فِي مَعْنَى الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِزِّ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَوَصَلَا إِلَى دِمَشْقَ وَصَلَاحُ الدِّينِ يَحْصُرُ الْكَرَكَ، فَأَقَامَا إِلَى أَنْ عَادَ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِي الصُّلْحِ أَمْرٌ، وَمَرِضَا وَطَلَبَا الْعَوْدَةَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمَا صَلَاحُ الدِّينِ بِالْمَقَامِ إِلَى أَنْ يَصْطَلِحَا، فَلَمْ يَفْعَلَا وَسَارَا فِي الْحَرِّ فَمَاتَ بَشِيرٌ بِالسَّخْنَةِ.
وَمَاتَ صَدْرُ الدِّينِ بِالرَّحَبَةِ، وَدُفِنَ بِمَشْهَدِ الْبُوقِ، وَكَانَ وَاحِدَ زَمَانِهِ، قَدْ جَمَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute