للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْصِلِ: مِثْلُ الْمَوْصِلِ لَا يُتْرَكُ لِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ عِزَّ الدِّينِ مَا أَرْسَلَهُنَّ إِلَّا وَقَدْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ الْبَلَدِ.

وَوَافَقَ ذَلِكَ هَوَاهُ، فَأَعَادَهُنَّ خَائِبَاتٍ، وَاعْتَذَرَ بِأَعْذَارٍ غَيْرِ مَقْبُولَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ إِرْسَالُهُنَّ عَنْ ضَعْفٍ وَوَهْنٍ، إِنَّمَا أَرْسَلَهُنَّ طَلَبًا لِدَفْعِ الشَّرِّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. فَلَمَّا عُدْنَ رَحَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى الْمَوْصِلِ وَهُوَ كَالْمُتَيَقِّنِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَلَدَ، وَكَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَارَبَ الْبَلَدَ نَزَلَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْهُ، وَامْتَدَّ عَسْكَرُهُ فِي تِلْكَ الصَّحْرَاءِ بِنَوَاحِي الْحِلَّةِ الْمَرَاقِيَّةِ، وَكَانَ يَجْرِي بَيْنَ الْعَسْكَرَيْنِ مُنَاوَشَاتٌ بِظَاهِرِ الْبَابِ الْعِمَادِيِّ.

وَكُنْتُ إِذْ ذَاكَ بِالْمَوْصِلِ، وَبَذَلَ الْعَامَّةُ نُفُوسَهُمْ غَيْظًا وَحَنَقًا لِرَدِّهِ النِّسَاءَ، فَرَأَى صَلَاحُ الدِّينِ مَا لَمْ يَكُنْ يَحْسَبُهُ، فَنَدِمَ عَلَى رَدِّهِ النِّسَاءَ نَدَامَةَ الْكُسَعِيِّ، حَيْثُ فَاتَهُ حُسْنُ الذِّكْرِ وَمُلْكُ الْبَلَدِ، وَعَادَ عَلَى الَّذِينَ أَشَارُوا بِرَدِّهِنَّ بِاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ.

وَجَاءَتْهُ كُتُبُ الْقَاضِي الْفَاضِلِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ هَوًى فِي الْمَوْصِلِ يُقَبِّحُونَ فِعْلَهُ وَيُنْكِرُونَهُ، وَأَتَاهُ وَهُوَ عَلَى الْمَوْصِلِ زَيْنُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ زَيْنِ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ، فَأَنْزَلَهُ وَمَعَهُ أَخُوهُ مُظَفَّرُ الدِّينِ كَوْكَبْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأُمَرَاءِ بِالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنَ الْمَوْصِلِ.

وَسَيَّرَ مِنَ الْمَنْزَلَةِ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ الْمَشْطُوبَ الْهَكَّارِيَّ إِلَى قَلْعَةِ الْجُدَيْدَةِ مِنْ بَلَدِ الْهَكَّارِيَّةِ، فَحَصَرَهَا وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَكْرَادِ وَالْهَكَارِيَّةِ كَثِيرٌ، وَبَقِيَ هُنَاكَ إِلَى أَنْ رَحَلَ صَلَاحُ الدِّينِ عَنِ الْمَوْصِلِ.

وَكَانَ عَامَّةُ الْمَوْصِلِ يَعْبُرُونَ دِجْلَةَ فَيُقَاتِلُونَ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنَ الْعَسْكَرِ وَيَعُودُونَ، وَلَمَّا كَانَ صَلَاحُ الدِّينِ يُحَاصِرُ الْمَوْصِلَ بَلَغَ أَتَابِكْ عِزَّ الدِّينِ صَاحِبَهَا أَنَّ نَائِبَهُ بِالْقَلْعَةِ زَلْفَنْدَارَ يُكَاتِبُهُ، فَمَنَعَهُ مِنَ الصُّعُودِ إِلَى الْقَلْعَةِ وَعَادَ يَقْتَدِي بِرَأْيِ مُجَاهِدِ الدِّينِ، وَكَانَ قَدْ أَخْرَجَهُ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ، وَضَبَطَ الْأُمُورَ، وَأَصْلَحَ مَا كَانَ فَسَدَ مِنَ الْأَحْوَالِ، حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إِلَى الصُّلْحِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَحَضَرَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ إِنْسَانٌ بَغْدَادِيٌّ أَقَامَ بِالْمَوْصِلِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى صَلَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>