الدِّينِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ دِجْلَةَ عَنِ الْمَوْصِلِ إِلَى نَاحِيَةِ نِينَوَى، وَقَالَ: إِنَّ دِجْلَةَ إِذَا نُقِلَتْ عَنِ الْمَوْصِلِ عَطِشَ أَهْلُهَا فَمَلَكْنَاهَا بِغَيْرِ قِتَالٍ فَظَنَّ صَلَاحُ الدِّينِ أَنَّ قَوْلَهُ صِدْقٌ، فَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ تَطُولُ، وَالتَّعَبَ يَكْثُرُ، وَلَا فَائِدَةَ وَرَاءَهُ، وَقَبَّحَهُ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ.
وَأَقَامَ بِمَكَانِهِ مِنْ أَوَّلِ رَبِيعٍ الْآخَرِ إِلَى أَنْ قَارَبَ آخِرُهُ، ثُمَّ رَحَلَ عَنْهَا إِلَى مَيَّافَارِقِينَ. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ شَاهْ أَرْمَنْ، صَاحِبَ خِلَاطَ، تُوُفِّيَ بِهَا تَاسِعَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، فَوَصَلَ الْخَبَرُ بِوَفَاتِهِ فِي الْعِشْرِينَ مِنْهُ فَعَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ إِلَيْهَا وَتَمَلُّكِهَا، حَيْثُ إِنَّ شَاهْ أَرْمَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَلَدًا وَلَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يَمْلِكُ بِلَادَهُ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا مَمْلُوكٌ لَهُ اسْمُهُ بُكْتُمُرْ وَلَقَبُهُ سَيْفُ الدِّينِ.
فَاسْتَشَارَ صَلَاحُ الدِّينِ أُمَرَاءَهُ وَوُزَرَاءَهُ، فَاخْتَلَفُوا، فَأَمَّا مَنْ هَوَاهُ بِالْمَوْصِلِ فَيُشِيرُ بِالْمُقَامِ وَمُلَازِمَةِ الْحِصَارِ لَهَا، وَأَمَّا مَنْ يَكْرَهُ أَذَى الْبَيْتِ الْأَتَابِكِيِّ فَإِنَّهُ أَشَارَ بِالرَّحِيلِ، وَقَالَ: إِنَّ وِلَايَةَ خِلَاطَ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ، وَهِيَ سَائِبَةٌ لَا حَافِظَ لَهَا، وَهَذِهِ لَهَا سُلْطَانٌ يَحْفَظُهَا وَيَذُبُّ عَنْهَا، وَإِذَا مَلَكْنَا تِلْكَ سَهُلَ أَمْرُ هَذِهِ وَغَيْرِهَا، فَتَتَرَدَّدَ فِي أَمْرِهِ.
فَاتُّفِقَ أَنَّهُ جَاءَهُ كُتُبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ خِلَاطَ، مِنْ أَهْلِهَا وَأُمَرَائِهَا، يَسْتَدْعُونَهُ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَلَدَ، فَسَارَ عَنِ الْمَوْصِلِ، وَكَانَتْ مُكَاتَبَةُ مَنْ كَاتَبَهُ خَدِيعَةً وَمَكْرًا، فَإِنَّ شَمْسَ الدِّينِ الْبَهْلَوَانَ بْنَ إِيلْدِكَزْ، صَاحِبَ أَذْرَبِيجَانَ وَهَمَذَانَ وَتِلْكَ الْمَمْلَكَةِ، قَدْ قَصَدَهُمْ لِيَأْخُذَ الْبِلَادَ مِنْهُمْ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ زَوَّجَ شَاهْ أَرْمَنْ، عَلَى كِبَرِ سِنِّهِ، بِنْتًا لَهُ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى مُلْكِ خِلَاطَ وَأَعْمَالِهَا.
فَلَمَّا بَلَغَهُمْ مَسِيرُهُ إِلَيْهِمْ كَاتَبُوا صَلَاحَ الدِّينِ يَسْتَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ لِيُسَلِّمُوا الْبَلَدَ إِلَيْهِ لِيَدْفَعُوا بِهِ الْبَهْلَوَانَ وَيَدْفَعُوهُ بِالْبَهْلَوَانِ، وَيَبْقَى الْبَلَدُ بِأَيْدِيهِمْ، فَسَارَ صَلَاحُ الدِّينِ وَسَيَّرَ فِي مُقَدِّمَتِهِ ابْنَ عَمِّهِ نَاصِرَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ شِيرِكُوهُ، وَمُظَفَّرَ الدِّينِ بْنَ زَيْنِ الدِّينِ وَغَيْرَهُمَا.
فَسَارُوا إِلَى خِلَاطَ، وَنَزَلُوا بِطُوَانَةَ بِالْقُرْبِ مِنْ خِلَاطَ، وَسَارَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، وَأَمَّا الْبَهْلَوَانُ فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى خِلَاطَ، وَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْهَا، وَتَرَدَّدَتْ رُسُلُ أَهْلِ خِلَاطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ صَلَاحِ الدِّينِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَصْلَحُوا أَمْرَهُمْ مَعَ الْبَهْلَوَانِ، وَصَارُوا مِنْ حِزْبِهِ وَخَطَبُوا لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute