ذِكْرُ وَفَاةِ نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ الْحِصْنِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ نُورُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَا أَرْسَلَانَ بْنِ دَاوُدَ، صَاحِبُ الْحِصْنِ وَآمِدَ، لَمَّا كَانَ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى الْمَوْصِلِ، وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَمَلَّكَ الْأَكْبَرَ مِنْهُمَا وَاسْمُهُ سُقْمَانُ، وَلَقَبُهُ قُطْبُ الدِّينِ، وَتَوَلَّى تَدْبِيرَ الْأُمُورِ وَزِيرُهُ الْقَوَّامُ بْنُ سُمَاقَا الْأَسْعَرْدِيُّ.
وَكَانَ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ قُرَا أَرْسَلَانَ قَدْ سَيَّرَهُ أَخُوهُ نُورُ الدِّينِ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، وَهُوَ يُحَاصِرُ الْمَوْصِلَ، وَهُوَ مَعَهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ وَفَاةِ أَخِيهِ سَارَ لِيَمْلِكَ الْبِلَادَ بَعْدَهُ لِصِغَرِ أَوْلَادِهِ، فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَسَارَ إِلَى خَرَّتْ بَرَّتْ فَمَلَكَهَا، وَهِيَ بَيَدِ أَوْلَادِهِ إِلَى سَنَةِ عِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ.
وَلَمَّا حَصَرَ صَلَاحُ الدِّينِ مَيَّافَارِقِينَ حَضَرَ عِنْدَهُ وَلَدُ نُورِ الدِّينِ فَأَقَرَّهُ عَلَى مُلْكِ أَبِيهِ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ آمِدُ، وَكَانُوا خَافُوا أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَرَدَّهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُرَاجِعُوهُ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ، وَيَصْدُرُوا عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَرَتَّبَ مَعَهُ أَمِيرًا لَقَبُهُ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِيهِ.
ذِكْرُ مُلْكِ صَلَاحِ الدِّينِ مَيَّافَارِقِينَ
لَمَّا سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى خِلَاطَ جُعِلَ طَرِيقُهُ عَلَى مَيَّافَارِقِينَ مَطْمَعَ مَلِكِهَا، حَيْثُ كَانَ صَاحِبُهُ قُطْبُ الدِّينِ، صَاحِبُ مَارْدِينَ، قَدْ تُوُفِّيَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ، وَهُوَ طِفْلٌ، وَكَانَ حُكْمُهَا إِلَى شَاهْ أَرْمَنْ، وَعَسْكَرُهُ فِيهَا.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ طَمِعَ فِي أَخْذِهَا، فَلَمَّا نَازَلَهَا رَآهَا مَشْحُونَةً بِالرِّجَالِ، وَبِهَا زَوْجَةُ قُطْبِ الدِّينِ الْمُتَوَفَّى، وَمَعَهَا بَنَاتٌ لَهَا مِنْهُ، وَهِيَ أُخْتُ نُورِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الْحِصْنِ، فَأَقَامَ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَيْهَا يَحْصُرُهَا مِنْ أَوَّلِ جُمَادَى الْأُولَى.
وَكَانَ الْمُقَدَّمُ عَلَى أَجْنَادِهَا أَمِيرًا اسْمُهُ يَرْنُقُشْ، وَلَقَبُهُ أَسَدُ الدِّينِ، وَكَانَ شُجَاعًا شَهْمًا، يَحْفَظُ الْبَلَدَ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ عَلَيْهِ وَنُصِبَتِ الْمَجَانِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute