وَالْعَرَادَاتُ، فَلَمْ يَصِلْ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى مَا يُرِيدُ مِنْهَا.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَدَلَ عَنِ الْقُوَّةِ وَالْحَرْبِ إِلَى إِعْمَالِ الْحِيلَةِ، فَرَاسَلَ امْرَأَةَ قُطْبِ الدِّينِ الْمُقِيمَةِ بِالْبَلَدِ يَقُولُ لَهَا: إِنَّ أَسَدَ الدِّينِ يَرْنَقُشْ قَدْ مَالَ إِلَيْنَا فِي تَسْلِيمِ الْبَلَدِ وَنَحْنُ نَرْعَى حَقَّ أَخِيهِ نُورِ الدِّينِ فِيكِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَنُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَكِ فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبٌ، وَأَنَا أُزَوِّجُ بَنَاتِكِ بِأَوْلَادِي وَتَكُونُ مَيَّافَارِقِينَ وَغَيْرُهَا لَكِ وَبِحُكْمِكِ.
وَوَضَعَ مَنْ أَرْسَلَ إِلَى أَسَدٍ يُعَرِّفُهُ أَنَّ الْخَاتُونَ قَدْ مَالَتْ لِلْمُقَارَبَةِ وَالِانْقِيَادِ إِلَى السُّلْطَانِ، وَأَنَّ مَنْ بِخِلَاطَ قَدْ كَاتَبُوهُ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ.
وَاتَّفَقَ أَنَّ رَسُولًا وَصَلَهُ مِنْ خِلَاطَ، يَبْذُلُونَ لَهُ الطَّاعَةَ، وَقَالُوا لَهُ مِنَ الِاسْتِدْعَاءِ إِلَيْهِمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ، فَأَمَرَ صَلَاحُ الدِّينِ الرَّسُولَ، فَدَخَلَ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، وَقَالَ لِأَسَدٍ: أَنْتَ عَمَّنْ تُقَاتِلُ، وَأَنَا قَدْ جِئْتُ فِي تَسْلِيمِ خِلَاطَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ! فَسُقِطَ فِي يَدِهِ، وَضَعُفَتْ نَفْسُهُ.
وَأَرْسَلَ يَقْتَرِحُ أَقْطَاعًا وَمَالًا، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَسَلَّمَ الْبَلَدَ سَلْخَ جُمَادَى الْأُولَى، وَعَقَدَ النِّكَاحَ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ عَلَى بَعْضِ بَنَاتِ الْخَاتُونِ، وَأَقَرَّ بِيَدِهَا قَلْعَةَ الْهَتَّاخِ لِتَكُونَ فِيهَا هِيَ وَبَنَاتُهَا.
ذِكْرُ عَوْدِ صَلَاحِ الدِّينِ إِلَى بَلَدِ الْمَوْصِلِ وَالصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَتَابِكْ عِزِّ الدِّينِ
لَمَّا فَرَغَ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ أَمْرِ مَيَّافَارِقِينَ، وَأَحْكَمَ قَوَاعِدَهَا، وَقَرَّرَ إِقْطَاعَاتِهَا وَوِلَايَاتِهَا فَوَصَلَ إِلَى كَفْرِ زَمَّارٍ، أَجْمَعَ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَسَارَ نَحْوَهَا، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى نَصِيبِينِ، فَوَصَلَ إِلَى كَفْرِ زَمَّارٍ، وَالزَّمَانُ شِتَاءٌ.
فَنَزَلَهَا فِي عَسَاكِرِهِ، وَعَزَمَ عَلَى الْمُقَامِ بِهَا وَإِقْطَاعِ جَمِيعِ بِلَادِ الْمَوْصِلِ، وَأَخْذِ غِلَالِهَا وَدَخْلِهَا، وَإِضْعَافِ الْمَوْصِلِ بِذَلِكَ، إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّغَلُّبُ عَلَيْهَا، وَكَانَ نُزُولُهُ فِي شَعْبَانَ، وَأَقَامَ بِهَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِزِّ الدِّينِ، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَصَارَ مُجَاهِدُ الدِّينِ يُرَاسِلُ وَيَتَقَرَّبُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute