فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] مَدِينَةَ قَفْصَةَ فَحَصَرَهَا، فَأَخْرَجَ أَهْلَهَا الْمُوَحِّدِينَ مِنْ عَسَاكِرِ وَلَدِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَسَلَّمُوهَا إِلَى الْمُلَثَّمِ، فَرَتَّبَ فِيهَا جُنْدًا مِنَ الْمُلَثَّمِينَ وَالْأَتْرَاكِ، وَحَصَّنَهَا بِالرِّجَالِ مَعَ حَصَانَتِهَا فِي الْبِنَاءِ.
وَأَمَّا يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَهُ الْخَبَرُ اخْتَارَ مِنْ عَسَاكِرِهِ عِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَقَصَدَ قِلَّةَ الْعَسْكَرِ لِقِلَّةِ الْقُوتِ فِي الْبِلَادِ، وَلِمَا جَرَى فِيهَا مِنَ التَّخْرِيبِ وَالْأَذَى، وَسَارَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَوَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ تُونُسَ، وَأَرْسَلَ سِتَّةَ آلَافِ فَارِسٍ مَعَ ابْنِ أَخِيهِ، فَسَارُوا إِلَى عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُلَثَّمِ لِيُقَاتِلُوهُ، وَكَانَ بِقَفْصَةَ، فَوَافَوْهُ، وَكَانَ مَعَ الْمُوَحِّدِينَ جَمَاعَةٌ مِنَ التُّرْكِ، فَخَامَرُوا عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَ الْمُوَحِّدُونَ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ.
فَلَمَّا بَلَغَ يَعْقُوبَ الْخَبَرُ أَقَامَ بِمَدِينَةِ تُونُسَ إِلَى نِصْفِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ، ثُمَّ خَرَجَ فَيَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ يَطْلُبُ الْمُلَثَّمَ وَالْأَتْرَاكَ، فَوَصَلَ إِلَيْهِمْ، فَالْتَقَوْا بِالْقُرْبِ مِنْ مَدِينَةِ قَابِسٍ، وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ الْمُلَثَّمُ وَمَنْ مَعَهُ، فَأَكْثَرَ الْمُوَحِّدُونَ الْقَتْلَ حَتَّى كَادُوا يُفْنُونَهُمْ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَقَصَدُوا الْبَرَّ.
وَرَجَعَ يَعْقُوبُ مِنْ يَوْمِهِ إِلَى قَابِسٍ فَفَتَحَهَا، وَأَخَذَ مِنْهَا قَرَاقُوشَ وَأَوْلَادَهُ وَحَمَلَهُمْ إِلَى مَرَّاكُشَ، وَتَوَجَّهَ إِلَى مَدِينَةِ قَفْصَةَ فَحَصَرَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَقَطَّعَ أَشْجَارَهَا، وَخَرَّبَ مَا حَوْلَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ التُّرْكُ الَّذِينَ فِيهَا يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِأَهْلِ الْبَلَدِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.
وَخَرَجَ الْأَتْرَاكُ مِنْهَا سَالِمِينَ، وَسَيَّرَ الْأَتْرَاكَ إِلَى الثُّغُورِ لِمَا رَأَى مِنْ شَجَاعَتِهِمْ وَنِكَايَتِهِمْ فِي الْعَدُوِّ، وَتَسَلَّمَ يَعْقُوبُ الْبَلَدَ، وَقَتَلَ مَنْ فِيهِ مِنَ الْمُلَثَّمِينَ، وَهَدَمَ أَسْوَارَهُ، وَتَرَكَ الْمَدِينَةِ مِثْلَ قَرْيَةٍ، وَظَهَرَ مَا أَنْذَرَ بِهِ الْمَهْدِيُّ بْنُ تُومَرْتَ، فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّهَا تُخَرَّبُ أَسْوَارُهَا وَتُقَطَّعُ أَشْجَارُهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ.
فَلَمَّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِنْ أَمْرِ قَفْصَةَ، وَاسْتَقَامَتْ إِفْرِيقِيَّةُ عَادَ إِلَى مَرَّاكُشَ، وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَيْهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَارَقَ الرَّضِيُّ أَبُو الْخَيْرِ إِسْمَاعِيلُ الْقَزْوِينِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute