يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، صَاحِبِ الْمَغْرِبِ، الْعَسَاكِرَ وَاسْتِعَادَتَهَا، فَسَارَ عَلِيٌّ إِلَى إِفْرِيقِيَةَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا اجْتَمَعَ سُلَيْمٌ وَرِيَاحٌ وَمَنْ هُنَاكَ مِنَ الْعَرَبِ، وَانْضَافَ إِلَيْهِمُ التُّرْكُ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ دَخَلُوا مِنْ مِصْرَ مَعَ قَرَاقُوشَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وُصُولِهِ إِلَيْهَا.
وَدَخَلَ أَيْضًا مِنْ أَتْرَاكِ مِصْرَ مَمْلُوكٌ لِتَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ أَخِي صَلَاحِ الدِّينِ، اسْمُهُ بَوَزَّابَةُ، فَكَثُرَ جَمْعُهُمْ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا بَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ مَبْلَغًا كَثِيرًا وَكُلُّهُمْ كَارِهٌ لِدَوْلَةِ الْمُوَحِّدِينَ.
وَاتَّبَعُوا جَمِيعُهُمْ عَلِيَّ بْنَ إِسْحَاقَ الْمُلَثَّمَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَمْلَكَةِ وَالرِّيَاسَةِ الْقَدِيمَةِ، وَانْقَادُوا إِلَيْهِ، وَلَقَّبُوهُ بِأَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَصَدُوا بِلَادَ إِفْرِيقِيَّةَ فَمَلَكُوهَا جَمِيعَهَا شَرْقًا وَغَرْبًا إِلَّا مَدِينَتَيْ تُونُسَ وَالْمَهْدِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُوَحِّدِينَ أَقَامُوا بِهِمَا، وَحَفِظُوهُمَا عَلَى خَوْفٍ وَضِيقٍ وَشِدَّةٍ.
وَانْضَافَ إِلَى الْمُفْسِدِ الْمُلَثَّمِ كُلُّ مُفْسِدٍ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ، وَمَنْ يُرِيدُ الْفِتْنَةَ وَالنَّهْبَ وَالْفَسَادَ وَالشَّرَّ، فَخَرَّبُوا الْبِلَادَ وَالْحُصُونَ وَالْقُرَى، وَهَتَكُوا الْحُرُمَ، وَقَطَّعُوا الْأَشْجَارَ.
وَكَانَ الْوَالِي عَلَى إِفْرِيقِيَةَ حِينَئِذٍ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْهِنْتَانِيُّ وَهُوَ بِمَدِينَةِ تُونُسَ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ الْمَغْرِبِ يَعْقُوبَ وَهُوَ بِمَرَّاكُشَ يُعْلِمُهُ الْحَالَ، وَقَصَدَ الْمُلَثَّمُ جَزِيرَةَ بَاشَرَا، وَهِيَ بِقُرْبِ تُونُسَ، تَشْتَمِلُ عَلَى قُرًى كَثِيرَةٍ، فَنَازَلَهَا وَأَحَاطَ بِهَا، فَطَلَبَ أَهْلُهَا مِنْهُ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ.
فَلَمَّا دَخَلَهَا الْعَسْكَرُ نَهَبُوا جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالدَّوَابِّ وَالْغَلَّاتِ، وَسَلَبُوا النَّاسَ حَتَّى أَخَذُوا ثِيَابَهُمْ، وَامْتَدَّتِ الْأَيْدِي إِلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَتَرَكُوهُمْ هَلْكَى، فَقَصَدُوا مَدِينَةَ تُونُسَ، فَأَمَّا الْأَقْوِيَاءُ فَكَانُوا يَخْدُمُونَ وَيَعْمَلُونَ مَا يَقُومُ بِقُوَّتِهِمْ، وَأَمَّا الضُّعَفَاءُ فَكَانُوا يَسْتَعْطُونَ وَيَسْأَلُونَ النَّاسَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصْلُ الشِّتَاءِ، فَأَهْلَكَهُمُ الْبَرْدُ، وَوَقَعَ فِيهِمُ الْوَبَاءُ
فَأُحْصِيَ الْمَوْتَى مِنْهُمْ فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، هَذَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَمَا الظَّنُّ بِالْبَاقِي؟
وَلَمَّا اسْتَوْلَى الْمُلَثَّمُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ قَطَعَ خُطْبَةَ أَوْلَادِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَخَطَبَ لِلْإِمَامِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ الْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَطْلُبُ الْخِلَعَ وَالْأَعْلَامَ السُّودَ.
وَقَصَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute