وَبَلَغَنِي أَنَّ شِيرِكُوهُ بْنَ نَاصِرِ الدِّينِ حَضَرَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ، بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِسَنَةٍ، فَقَالَ لَهُ: إِلَى أَيْنَ بَلَغْتَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: ١٠] فَعَجِبَ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْحَاضِرُونَ مِنْ ذَكَائِهِ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بَيْنَ التُّرْكُمَانِ، وَالْأَكْرَادِ بِدِيَارِ الْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ابْتَدَأَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ التُّرْكُمَانِ وَالْأَكْرَادِ بِدِيَارِ الْجَزِيرَةِ، وَالْمَوْصِلِ، وَدِيَارِ بَكْرٍ، وَخِلَاطَ، وَالشَّامِ، وَشَهْرَزُورَ، وَأَذْرَبِيجَانَ،، وَقُتِلَ فِيهَا مِنَ الْخَلْقِ مَا لَا يُحْصَى، وَدَامَتْ عِدَّةَ سِنِينَ، وَتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ، وَنُهِبَتِ الْأَمْوَالُ، وَأُرِيقَتِ الدِّمَاءُ.
وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ امْرَأَةً مِنَ التُّرْكُمَانِ تَزَوَّجَتْ بِإِنْسَانٍ تُرْكُمَانِيٍّ، وَاجْتَازُوا فِي طَرِيقِهِمْ بِقَلْعَةٍ مِنَ الزَّوْزَانِ لِلْأَكْرَادِ، فَجَاءَ أَهْلُهَا وَطَلَبُوا مِنَ التُّرْكُمَانِ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَجَرَى بَيْنَهُمْ كَلَامٌ صَارُوا مِنْهُ إِلَى الْقِتَالِ، فَنَزَلَ صَاحِبُ تِلْكَ الْقَلْعَةِ فَأَخَذَ الزَّوْجَ فَقَتَلَهُ، فَهَاجَتِ الْفِتْنَةُ، وَقَامَ التُّرْكُمَانُ عَلَى سَاقٍ، وَقَتَلُوا جَمْعًا كَثِيرًا مِنَ الْأَكْرَادِ، وَثَارَ الْأَكْرَادُ فَقَتَلُوا مِنَ التُّرْكُمَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَتَفَاقَمَ الشَّرُّ وَدَامَ.
ثُمَّ إِنَّ مُجَاهِدَ الدِّينِ قَايْمَازْ، رَحِمَهُ اللَّهُ، جَمَعَ عِنْدِهِ جَمْعًا مِنْ رُؤَسَاءِ الْأَكْرَادِ وَالتُّرْكُمَانِ، وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَأَعْطَاهُمُ الْخِلَعَ وَالثِّيَابَ وَغَيْرَهَا، وَأَخْرَجَ عَلَيْهِمْ مَالًا جَمًّا، فَانْقَطَعَتِ الْفِتْنَةُ وَكَفَى اللَّهُ شَرَّهَا، وَعَادَ النَّاسُ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْأَمَانِ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْمُلَثَّمِينَ وَالْعَرَبِ إِفْرِيقِيَةَ وَعَوْدِهَا إِلَى الْمُوَحِّدِينَ
قَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ ثَمَانِينَ مُلْكَ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُلَثَّمِ بِجَايَةَ، وَإِرْسَالَ يَعْقُوبَ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute