مِنَ الدُّنُوِّ إِلَى الْبَلَدِ، فَأَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى الشَّوَانِي الَّتِي جَاءَتْهُ مِنْ مِصْرَ، وَهِيَ عَشْرُ قِطَعٍ، وَكَانَتْ بِعَكَّا، فَأَحْضَرَهَا بِرِجَالِهَا وَمُقَاتِلَتِهَا وَعِدَّتِهَا، وَكَانَتْ فِي الْبَحْرِ تَمْنَعُ شَوَانِيَ أَهْلِ صُورَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ حِينَئِذٍ مِنَ الْقُرْبِ مِنَ الْبَلَدِ، وَمِنْ قِتَالِهِ، فَقَاتَلُوهُ بَرًّا وَبَحْرًا وَضَايَقُوهُ حَتَّى كَادُوا يَظْفَرُونَ.
فَجَاءَتِ الْأَقْدَارُ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحِسَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ خَمْسَ قِطَعٍ مِنْ شَوَانِي الْمُسْلِمِينَ بَاتَتْ، فِي بَعْضِ تِلْكَ اللَّيَالِي، مُقَابِلَ مِينَاءِ صُورَ لِيُمْنَعُوا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَالدُّخُولِ إِلَيْهِ، فَبَاتُوا لَيْلَتَهُمْ يَحْرُسُونَ، وَكَانَ مُقَدَّمُهُمْ عَبْدَ السَّلَامِ الْمَغْرِبِيَّ الْمَوْصُوفَ بِالْحَذَقِ فِي صِنَاعَتِهِ.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ أَمِنُوا فَنَامُوا، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِشَوَانِي الْفِرِنْجِ قَدْ نَازَلَتْهُمْ وَضَايَقَتْهُمْ، فَأَوْقَعَتْ بِهِمْ، فَقَتَلُوا مَنْ أَرَادُوا قَتْلَهُ، وَأَخَذُوا الْبَاقِينَ بِمَرَاكِبِهِمْ، وَأُدْخِلُوا مِينَاءَ صُورَ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي الْبَرِّ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، وَرَمَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الشَّوَانِي فِي الْبَحْرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَبَحَ فَنَجَا، وَمِنْهُمْ مَنْ غَرِقَ.
وَتَقَدَّمَ السُّلْطَانُ إِلَى الشَّوَانِي الْبَاقِيَةِ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَيْرُوتَ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِهَا لِقِلَّتِهَا، فَسَارَتْ، فَتَبِعَهَا شَوَانِي الْفِرِنْجِ، فَحِينَ رَأَى مَنْ فِي شَوَانِي الْمُسْلِمِينَ الْفِرِنْجَ مُجِدِّينَ فِي طَلَبِهِمْ أَلْقَوْا نُفُوسَهُمْ فِي شَوَانِيهِمْ إِلَى الْبَرِّ فَنَجَوْا وَتَرَكُوهَا، فَأَخَذَهَا صَلَاحُ الدِّينِ، وَنَقَضَهَا وَعَادَ إِلَى مُقَاتَلَةِ صُورَ فِي الْبَرِّ، وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيلَ الْجَدْوَى لِضِيقِ الْمَجَالِ.
وَفِي بَعْضِ الْأَيَّامِ خَرَجَ الْفِرِنْجُ فَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَاءِ خَنَادِقِهِمْ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَدَامَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، كَانَ خُرُوجُهُمْ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ فَارِسٌ كَبِيرٌ مَشْهُورٌ، بَعْدَ أَنْ كَثُرَ الْقِتَالُ وَالْقَتْلُ عَلَيْهِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، لَمَّا سَقَطَ، فَلَمَّا أُسِرَ قُتِلَ، وَبَقَوْا كَذَلِكَ عِدَّةَ أَيَّامٍ.
ذِكْرُ الرَّحِيلِ عَنْ صُورَ إِلَى عَكَّا وَتَفْرِيقِ الْعَسَاكِرِ
لَمَّا رَأَى صَلَاحُ الدِّينِ أَنَّ أَمْرَ صُورَ يَطُولُ رَحَلَ عَنْهَا، وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتُهُ، مَتَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute