وَالِاسْتِرَاحَةِ فِي الشِّتَاءِ، وَالْعَوْدِ فِي الرَّبِيعِ، فَعَادَتْ عَسَاكِرُ الشَّرْقِ وَالْمَوْصِلِ وَغَيْرِهَا، وَعَسَاكِرُ الشَّامِ، وَعَسَاكِرُ مِصْرَ، وَبَقِيَ حَلِقَتُهُ الْخَاصُّ مُقِيمًا بِعَكَّا، فَنَزَلَ بِقَلْعَتِهَا، وَرَدَّ أَمْرَ الْبَلَدِ إِلَى عِزِّ الدِّينِ جُورْدِيكَ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْمَمَالِيكِ النُّورِيَّةِ، جَمَعَ الدِّيَانَةَ، وَالشَّجَاعَةَ، وَحُسْنَ السِّيرَةِ.
ذِكْرُ فَتْحِ هُونِينَ
لَمَّا فَتَحَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ تِبْنِينَ امْتَنَعَ مَنْ بِهُونِينَ مِنْ تَسْلِيمِهَا، وَهِيَ مِنْ أَحْصَنِ الْقِلَاعِ وَأَمْنَعِهَا، فَلَمْ يَرَ التَّعْرِيجَ عَلَيْهَا وَلَا الِاشْتِغَالَ بِمُحَاصَرَتِهَا، بَلْ سَيَّرَ إِلَيْهَا جَمَاعَةً مِنَ الْعَسْكَرِ وَالْأُمَرَاءِ فَحَصَرُوهَا، وَمَنَعُوا مِنْ حَمْلِ الْمِيرَةِ إِلَيْهَا، وَاشْتَغَلَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ فَتْحِ عَسْقَلَانَ وَالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ يُحَاصِرُ مَدِينَةَ صُورَ أَرْسَلَ مَنْ فِيهَا يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ، فَسَلَّمُوا، وَنَزَلُوا مِنْهَا فَوَفَّى لَهُمْ بِأَمَانِهِمْ.
ذِكْرُ حَصْرِ صَفَدَ وَكَوْكَبَ وَالْكَرَكِ
لَمَّا سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى عَسْقَلَانَ جَعَلَ عَلَى قَلْعَةِ كَوْكَبَ، وَهِيَ مُطِلَّةٌ عَلَى الْأُرْدُنِّ مَنْ يَحْصُرُهَا، وَيَحْفَظُ الطَّرِيقَ لِلْمُجْتَازِينَ لِئَلَّا يَنْزِلَ مَنْ بِهِ مِنَ الْفِرِنْجِ يَقْطَعُونَهُ، وَسَيَّرَ طَائِفَةً أُخْرَى مِنَ الْعَسْكَرِ أَيْضًا إِلَى قَلْعَةِ صَفَدَ فَحَصَرُوهَا، وَهِيَ مُطِلَّةٌ عَلَى مَدِينَةِ طَبَرِيَّةَ.
وَكَانَ حِصْنُ كَوْكَبَ لِلْإِسْبِتَارِ، وَحِصْنُ صَفَدَ لِلدَّاوِيَّةِ، وَهُمَا قَرِيبَانِ مِنْ حِطِّينَ، مَوْضِعِ الْمَصَافِّ، فَلَجَأَ إِلَيْهَا جَمْعٌ مِمَّنْ سَلِمَ مِنَ الدَّاوِيَّةِ وَالِاسْبِتَارِ فَحَمَوْهُمَا، فَلَمَّا حَصَرَهُمَا الْمُسْلِمُونَ اسْتَرَاحَ النَّاسُ مِنْ شَرِّ مَنْ فِيهِمَا، وَاتَّصَلَتِ الطُّرُقُ حَتَّى كَانَ يَسِيرُ فِيهَا الْمُنْفَرِدُ فَلَا يَخَافُ.
وَكَانَ مُقَدَّمُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يَحْصُرُونَ قَلْعَةَ كَوْكَبَ أَمِيرًا يُقَالُ لَهُ سَيْفُ الدِّينِ، وَهُوَ أَخُو جَاوِلِي الْأَسَدِيِّ، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا، يَرْجِعُ إِلَى دِينٍ وَعِبَادَةٍ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِ شَوَّالٍ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَحْرُسُونَ نُوَبًا مُرَتَّبَةً.
فَلَمَّا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ غَفَلَ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute