كَانَتْ نَوْبَتُهُ فِي الْحِرَاسَةِ، وَكَانَ قَدْ صَلَّى وِرْدَهُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَى السَّحَرِ، وَكَانَتْ لَيْلَةً كَثِيرَةَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَالرِّيحِ وَالْمَطَرِ، فَلَمْ يَشْعُرِ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ نَازِلُونَ إِلَّا وَالْفِرِنْجُ قَدْ خَالَطُوهُمْ بِالسُّيُوفِ، وَوَضَعُوا السِّلَاحَ فِيهِمْ، فَقَتَلُوهُمْ أَجْمَعِينَ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ طَعَامٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِهِ وَعَادُوا إِلَى قَلْعَتِهِمْ، فَقَوُوا بِذَلِكَ قُوَّةً عَظِيمَةً أَمْكَنَتْهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا قَلْعَتَهُمْ إِلَى أَنْ أُخِذَتْ أَوَاخِرَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَتَى الْخَبَرُ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ بِذَلِكَ، عِنْدَ رَحِيلِهِ عَنْ (صُورَ، فَعَظُمَ) ذَلِكَ عَلَيْهِ، مُضَافًا إِلَى مَا نَالَهُ مِنْ أَخْذِ شَوَانِيهِ وَمَنْ فِيهَا، وَرَحِيلِهِ عَنْ صُورَ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَى حِصْنِ كَوْكَبَ الْأَمِيرَ قَايْمَازْ النَّجْمِيَّ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى مِنَ الْأَجْنَادِ، فَحَصَرُوهَا.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِعَرَفَاتٍ وَقَتْلِ ابْنِ الْمُقَدَّمِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، يَوْمَ عَرَفَةَ، قُتِلَ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمُقَدَّمِ بِعَرَفَاتٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ الْأُمَرَاءِ الصَّلَاحِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَكْرِهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
وَسَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ طَلَبَ إِذْنًا مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ لِيَحُجَّ وَيُحْرِمَ مِنَ الْقُدْسِ، وَيَجْمَعَ فِي سَنَةٍ بَيْنَ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَزِيَارَةِ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا بِالشَّامِ مِنْ مَشَاهِدِ الْأَنْبِيَاءِ، وَبَيْنَ زِيَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَجْمَعِينَ، فَأَذِنَ لَهُ.
وَكَانَ قَدِ اجْتَمَعَ تِلْكَ السَّنَةَ مِنَ الْحُجَّاجِ بِالشَّامِ الْخَلْقُ الْعَظِيمُ مِنَ الْبِلَادِ: الْعِرَاقِ، وَالْمَوْصِلِ، وَدِيَارِ بَكْرٍ، وَالْجَزِيرَةِ، وَخِلَاطَ، وَبِلَادِ الرُّومِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا، لِيَجْمَعُوا بَيْنَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ وَمَكَّةَ، فَجُعِلَ ابْنُ الْمُقَدَّمِ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ فَسَارُوا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى عَرَفَاتٍ سَالِمِينَ، وَوَقَفُوا فِي تِلْكَ الْمَشَاعِرِ، وَأَدَّوُا الْوَاجِبَ وَالسُّنَّةَ.
فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّةُ عَرَفَةَ تَجَهَّزَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِيَسِيرُوا مِنْ عَرَفَاتٍ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ كَوْسَاتِهِ الَّتِي هِيَ أَمَارَةُ الرَّحِيلِ، فَضَرَبَهَا أَصْحَابُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْحَاجِّ الْعِرَاقِيِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute