للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ مُجِيرُ الدِّينِ طَاشْ تِكِينُ، يَنْهَاهُ عَنِ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَهُ، وَيَأْمُرُهُ بِكَفِّ أَصْحَابِهِ عَنْ ضَرْبِ كَوْسَاتِهِ.

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: إِنِّي لَيْسَ لِي مَعَكَ تَعَلُّقٌ، أَنْتَ أَمِيرُ الْحَاجِّ الْعِرَاقِيِّ، وَأَنَا أَمِيرُ الْحَاجِّ الشَّامِيِّ، وَكُلٌّ مِنَّا يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ وَيَخْتَارُهُ، وَسَارَ وَلَمْ يَقِفْ، وَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ.

فَلَمَّا رَأَى طَاشْ تِكِينُ إِصْرَارَهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ رَكِبَ فِي أَصْحَابِهِ وَأَجْنَادِهِ، وَتَبِعَهُ مِنْ غَوْغَاءِ الْحَاجِّ الْعِرَاقِيِّ وَبَطَّاطِيهِمْ، وَطَمَّاعَتِهِمُ، الْعَالَمُ الْكَثِيرُ، وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ، وَقَصَدُوا حَاجَّ الشَّامِ مُهَوِّلِينَ عَلَيْهِمْ.

فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْهُمْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنَ الضَّبْطِ، وَعَجَزُوا عَنْ تَلَافِيهِ، فَهَجَمَ طَمَّاعَةُ الْعِرَاقِ عَلَى حَاجِّ الشَّامِ وَفَتَكُوا فِيهِمْ، وَقَتَلُوا جَمَاعَةً وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ وَسُبِيَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُنَّ رُدِدْنَ عَلَيْهِمْ.

وَجُرِحَ ابْنُ الْمُقَدَّمِ عِدَّةَ جِرَاحَاتٍ، وَكَانَ يَكُفُّ أَصْحَابَهُ عَنِ الْقِتَالِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ لَانْتَصَفَ مِنْهُمْ وَزَادَ، لَكِنَّهُ أَخَذَهُ طَاشْ تِكِينْ إِلَى خَيْمَتِهِ، وَأَنْزَلَهُ عِنْدَهُ لِيُمَرِّضَهُ وَيَسْتَدْرِكَ الْفَارِطَ فِي حَقِّهِ، وَسَارُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مَاتَ بِمِنًى، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الْمُعَلَّى، وَرُزِقَ الشَّهَادَةَ بَعْدَ الْجِهَادِ، وَشُهُودِ فَتْحِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ قُوَّةِ السُّلْطَانِ طُغْرُلْ عَلَى قُزَلَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَوِيَ أَمْرُ السُّلْطَانِ طُغْرُلْ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَمَلَكَ كَثِيرًا مِنَ الْبِلَادِ، فَأَرْسَلَ قُزَلُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَسْتَنْجِدُهُ، وَيُخَوِّفُهُ مِنْ طُغْرُلْ، وَيَبْذُلُ مِنْ نَفْسِهِ الطَّاعَةَ وَالتَّصَرُّفَ عَلَى مَا يَخْتَارُونَهُ.

وَأَرْسَلَ طُغْرُلْ رَسُولًا إِلَى بَغْدَادَ يَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الدِّيوَانُ بِعِمَارَةِ [دَارِ] السَّلْطَنَةِ لِأَسْكُنَهَا إِذَا وَصَلْتُ، فَأَكْرَمَ رَسُولَ قُزَلَ وَوَعَدَهُ بِالنَّجْدَةِ، وَرَدَّ رَسُولَ السُّلْطَانِ طُغْرُلْ بِغَيْرِ جَوَابٍ، وَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِنَقْضِ دَارِ السَّلْطَنَةِ، فَهُدِمَتْ إِلَى الْأَرْضِ، وَعُفِيَ أَثَرُهَا.

ذِكْرُ مُلْكِ شَرْسَتِي مِنَ الْهِنْدِ وَغَيْرِهَا وَانْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهَا

فِي آخِرِ هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ شِهَابُ الدِّينِ الْغَوْرِيُّ، مَلِكُ غَزْنَةَ، إِلَى بِلَادِ الْهِنْدِ، وَقَصَدَ بِلَادَ أَجْمِيرْ، وَتَعَرَّفَ بِوِلَايَةِ السَّوَالِكِ، وَاسْمُ مَلِكِهِمْ كُولَةُ، وَكَانَ شُجَاعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>