للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهْمًا، فَلَمَّا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُ مَلَكُوا مَدِينَةَ تَبْرَنْدَةَ، وَهِيَ حِصْنٌ مَنِيعٌ عَامِرٌ، وَمَلَكُوا شَرْسَتِي، وَمَلَكُوا كُوَّةَ رَامْ.

فَلَمَّا سَمِعَ مَلِكُهُمْ جَمَعَ الْعَسَاكِرَ فَأَكْثَرَ، وَسَارَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَالْتَقَوْا، وَقَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ، وَكَانَ مَعَ الْهِنْدِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِيلًا، فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ انْهَزَمَتْ مَيْمَنَةُ الْمُسْلِمِينَ وَمَيْسَرَتُهُمْ، فَقَالَ لِشِهَابِ الدِّينِ بَعْضُ خَوَاصِّهِ: قَدِ انْكَسَرَتِ الْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ، فَانْجُ بِنَفْسِكَ لَا يَهْلِكُ الْمُسْلِمُونَ.

فَأَخَذَ شِهَابُ الدِّينِ الرُّمْحَ وَحَمَلَ عَلَى الْهُنُودِ، فَوَصَلَ إِلَى الْفِيَلَةِ، فَطَعَنَ فِيلًا مِنْهَا فِي كَتِفِهِ، وَجُرْحُ الْفِيلِ لَا يَنْدَمِلُ، فَلَمَّا وَصَلَ شِهَابُ الدِّينِ إِلَى الْفِيَلَةِ زَرَقَهُ بَعْضُ الْهُنُودِ بِحَرْبَةٍ، فَوَقَعَتِ الْحَرْبَةُ فِي سَاعِدِهِ، فَنَفَذَتِ الْحَرْبَةُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَوَقَعَ حِينَئِذٍ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَاتَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ لِيُخَلِّصُوهُ، وَحَرَصَتِ الْهُنُودُ عَلَى أَخْذِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ حَرْبٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَأَخَذَهُ أَصْحَابُهُ فَرَكَّبُوهُ فَرَسَهُ وَعَادُوا بِهِ مُنْهَزِمِينَ.

فَلَمْ يَتْبَعْهُمُ الْهُنُودُ، فَلَمَّا أُبْعِدُوا عَنْ مَوْضِعِ الْوَقْعَةِ بِمِقْدَارِ فَرْسَخٍ أُغْمِيَ عَلَى شِهَابِ الدِّينِ مِنْ كَثْرَةِ خُرُوجِ الدَّمِ، فَحَمَلَهُ الرِّجَالُ عَلَى أَكْتَافِهِمْ فِي مِحَفَّةِ الْيَدِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا.

فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى لَهَاوُورْ أَخَذَ الْأُمَرَاءَ الْغُورِيَّةَ، وَهُمُ الَّذِينَ انْهَزَمُوا وَلَمْ يَثْبُتُوا، وَعَلَّقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلِيقَ شَعِيرٍ، وَقَالَ: أَنْتُمْ دَوَابُّ مَا أَنْتُمْ أُمَرَاءَ! وَسَارَ إِلَى غَزْنَةَ، وَأَمَرَ بَعْضَهُمْ فَمَشَى إِلَيْهَا مَاشِيًا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى غَزْنَةَ أَقَامَ بِهَا لِيَسْتَرِيحَ النَّاسُ، وَنَذْكُرُ مَا فَعَلَهُ بِمَلِكِ الْهِنْدِ الَّذِي هَزَمَهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، قُتِلَ مَجْدُ الدِّينِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ الصَّاحِبِ، وَهُوَ أُسْتَاذُ دَارِ الْخَلِيفَةِ، أَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ مُتَحَكِّمًا فِي الدَّوْلَةِ، لَيْسَ لِلْخَلِيفَةِ مَعَهُ حُكْمٌ، وَكَانَ هُوَ الْقَيِّمَ بِالْبَيْعَةِ لَهُ، وَظَهَرَ لَهُ أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ، أُخِذَ جَمِيعُهَا، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ عَفِيفًا عَنِ الْأَمْوَالِ، وَكَانَ الَّذِي سَعَى بِهِ إِنْسَانٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَصَنَائِعِهِ، يُقَالُ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، فَسَعَى بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَقَبَّحَ آثَارَهُ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>