للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُسْتَشِيرًا.

وَكَانَ مَرِيضًا، وَوَدَّعَهُ وَسَارَ عَنْ دِمَشْقَ مُنْتَصَفَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى حِمْصَ، فَنَزَلَ عَلَى بُحَيْرَةِ قُدْسَ غَرْبِيَّ حِمْصَ، وَجَاءَتْهُ الْعَسَاكِرُ: فَأَوَّلُ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ عِمَادُ الدِّينِ: زِنْكِيُّ بْنُ مَوْدُودٍ بْنِ آقْسَنْقَرَ، صَاحِبُ سِينْجَارَ، وَنَصِيبِينِ، وَالْخَابُورِ، وَتَلَاحَقَتِ الْعَسَاكِرُ مِنَ الْمَوْصِلِ وَدِيَارِ الْجَزِيرَةِ وَغَيْرِهَا، فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ وَكَثُرَتْ عِنْدَهُ.

فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ تَحْتَ حِصْنِ الْأَكْرَادِ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَكُنْتُ مَعَهُ حِينَئِذٍ، فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ، وَسَارَ جَرَيْدَةً وَتَرَكَ أَثْقَالَ الْعَسْكَرِ مَوْضِعَهَا تَحْتَ الْحِصْنِ، وَدَخَلَ إِلَى بَلَدِ الْفِرِنْجِ فَأَغَارَ عَلَى صَافِيثَا وَالْعُرَيْمَةِ وَيَحْمُورَ.

وَغَيْرِهَا مِنِ الْبِلَادِ وَالْوِلَايَاتِ، وَوَصَلَ إِلَى قُرْبِ طَرَابُلُسَ، وَأَبْصَرَ الْبِلَادَ، وَعَرَفَ مَنْ يَأْتِيهَا، وَأَيْنَ يَسْلُكُ مِنْهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى مُعَسْكَرِهِ سَالِمًا.

وَقَدْ غَنِمَ الْعَسْكَرُ مِنَ الدَّوَابِّ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مَا لَا حَدَّ لَهُ. وَأَقَامَ تَحْتَ حِصْنِ الْأَكْرَادِ إِلَى آخِرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ.

ذِكْرُ فَتْحِ جَبَلَةَ

لَمَّا أَقَامَ صَلَاحُ الدِّينِ تَحْتَ حِصْنِ الْأَكْرَادِ، أَتَاهُ قَاضِي جَبَلَةَ، وَهُوَ مَنْصُورُ بْنُ نَبِيلٍ، يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهَا لِيُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، وَكَانَ هَذَا الْقَاضِي عِنْدَ بَيْمُنْد، صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ وَجَبَلَةَ، مَسْمُوعَ الْقَوْلِ مَقْبُولَ الْكَلِمَةِ، لَهُ الْحُرْمَةُ الْوَافِرَةُ، وَالْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ، وَهُوَ يَحْكُمُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِجَبَلَةَ وَنَوَاحِيهَا، وَعَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْمُنْدِ.

فَحَمَلَتْهُ الْغَيْرَةُ لِلدِّينِ عَلَى قَصْدِ السُّلْطَانِ، وَتَكَفَّلَ لَهُ بِفَتْحِ جَبَلَةَ وَلَاذِقِيَّةَ وَالْبِلَادِ الشَّمَالِيَّةِ، فَسَارَ صَلَاحُ الدِّينِ مَعَهُ رَابِعَ جُمَادَى الْأُولَى، فَنَزَلَ بِأَنْطَرْطُوسَ سَادِسَهُ، فَرَأَى الْفِرِنْجَ قَدْ أَخْلَوُا الْمَدِينَةَ، وَاحْتَمَوْا فِي بُرْجَيْنِ حَصِينَيْنِ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَلْعَةٌ حَصِينَةٌ وَمَعْقِلٌ مَنِيعٌ، فَخَرَّبَ الْمُسْلِمُونَ دُورَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ وَسُورَ الْبَلَدِ، وَنَهَبُوا مَا وَجَدُوهُ مِنْ ذَخَائِرِهِمْ.

وَكَانَ الدَّاوِيَّةُ بِأَحَدِ الْبُرْجَيْنِ. فَحَصَرَهُمَا صَلَاحُ الدِّينِ فَنَزَلَ إِلَيْهِ مَنْ فِي أَحَدِ الْبُرْجَيْنِ بِأَمَانٍ وَسَلَّمُوهُ. فَأَمَّنَهُمْ، وَخَرَّبَ الْبُرْجَ: وَأَلْقَى حِجَارَتَهُ فِي الْبَحْرِ، وَبَقِيَ الَّذِي فِيهِ الدَّاوِيَّةُ لَمْ يُسَلِّمُوهُ.

وَكَانَ مَعَهُمْ مُقَدَّمُهُمُ الَّذِي أَسَرَهُ صَلَاحُ الدِّينِ يَوْمَ الْمَصَافِّ، وَكَانَ قَدْ أَطْلَقَهُ لَمَّا مَلَكَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ فَهُوَ الَّذِي حَفِظَ هَذَا الْحِصْنَ فَخَرَّبَ صَلَاحُ الدِّينِ وِلَايَةَ أَنْطَرْطُوسَ، وَرَحَلَ عَنْهَا وَأَتَى مَرَقِيَّةَ، وَقَدْ أَخْلَاهَا أَهْلُهَا، وَرَحَلُوا عَنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>