للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وَجْهِهِ لَقِيَهُ حَجَرٌ آخَرُ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ فَوْقَ الرَّجُلِ، فَضَرَبَهُ الْمُنْحَدَرُ فَارْتَفَعَ عَنِ الْأَرْضِ، وَجَازَ الرَّجُلَ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ لَمْ يَنَلْهُ مِنْهُ أَذًى وَلَا ضَرَرٌ، وَقَامَ يَعْدُو حَتَّى لَحِقَ بِأَصْحَابِهِ فَكَانَ سُقُوطُهُ سَبَبَ نَجَاتِهِ فَتَعِسَتْ أُمُّ الْجَبَانِ.

وَأَمَّا صَاحِبُ بَرْزَيَةَ، فَإِنَّهُ أُسِرَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلَادُهُ، وَمِنْهُمْ بِنْتٌ لَهُ مَعَهَا زَوْجُهَا، فَتَفَرَّقَهُمُ الْعَسْكَرُ، فَأَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ فِي الْوَقْتِ وَبَحَثَ عَنْهُمْ وَاشْتَرَاهُمْ، وَجَمَعَ شَمْلَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَلَمَّا قَارَبَ أَنْطَاكِيَةَ أَطْلَقَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إِلَيْهَا.

وَكَانَتِ امْرَأَةُ صَاحِبِ بَرْزَيَةَ أُخْتَ امْرَأَةِ بَيْمُنْدَ صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ، وَكَانَتْ تُرَاسِلُ صَلَاحَ الدِّينِ وَتُهَادِيهِ، وَتُعْلِمُهُ كَثِيرًا عَنِ الْأَحْوَالِ الَّتِي تُؤَثِّرُ، فَأَطْلَقَ هَؤُلَاءِ لِأَجْلِهَا.

ذِكْرُ فَتْحِ دَرْبِ سَاكْ

لَمَّا فَتَحَ صَلَاحُ الدِّينِ حِصْنَ بَرْزَيَةَ رَحَلَ عَنْهُ مِنَ الْغَدِ، فَأَتَى جِسْرَ الْحَدِيدِ، وَهُوَ عَلَى الْعَاصِي، بِالْقُرْبِ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى وَافَاهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْ عَسْكَرِهِ ثُمَّ سَارَ عَنْهُ إِلَى قَلْعَةِ دَرْبِ سَاكْ. فَنَزَلَ عَلَيْهَا ثَامِنَ رَجَبٍ، وَهِيَ مِنْ مَعَاقِلِ الدَّاوِيَّةِ الْحَصِينَةِ وَقِلَاعِهِمُ الَّتِي يَدَّخِرُونَهَا لِحِمَايَاتِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ الشَّدَائِدِ.

فَلَمَّا نَزَلَ عَلَيْهَا نَصَبَ الْمَجَانِيقَ، وَتَابَعَ الرَّمْيَ بِالْحِجَارَةِ، فَهَدَمَتْ مِنْ سُورِهَا شَيْئًا يَسِيرًا، فَلَمْ يُبَالِ مَنْ فِيهِ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ بِالزَّحْفِ عَلَيْهَا وَمُهَاجَمَتِهَا، فَبَادَرَهَا الْعَسْكَرُ بِالزَّحْفِ وَقَاتَلُوهَا، وَكَشَفُوا الرِّجَالَ عَنْ سُورِهَا، وَتَقَدَّمَ النَّقَّابُونَ فَنَقَبُوا مِنْهَا بُرْجًا وَعَلَّقُوهُ، فَسَقَطَ وَاتَّسَعَ الْمَكَانُ الَّذِي يُرِيدُ الْمُقَاتِلَةُ [أَنْ] يَدْخُلُوا مِنْهُ، وَعَادُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ بَاكَرُوا الزَّحْفَ مِنَ الْغَدِ.

وَكَانَ مَنْ فِيهِ قَدْ أَرْسَلُوا إِلَى صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ يَسْتَنْجِدُونَهُ، فَصَبَرُوا، وَأَظْهَرُوا الْجَلَدَ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ وُصُولَ جَوَابِهِ إِمَّا بِإِنْجَادِهِمْ وَإِزَاحَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ، وَإِمَّا بِالتَّخَلِّي عَنْهُمْ لِيَقُومَ عُذْرُهُمْ فِي التَّسْلِيمِ، فَلَمَّا عَلِمُوا عَجْزَهُ عَنْ نُصْرَتِهِمْ، وَخَافُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>