وَالتَّعَرُّضِ إِلَيْهِمْ فَقَبَضَ مَلِكُ الْأَلْمَانِ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَقَيَّدَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ هَلَكَ فِي أَسْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَدَى نَفْسَهُ.
وَسَارَ مَلِكُ الْأَلْمَانِ حَتَّى أَتَى بِلَادَ الْأَرْمَنِ، وَصَاحِبُهَا لَافُونُ بْنُ اصْطِفَانَةَ بْنِ لِيُونَ، فَأَمَدَّهُمْ بِالْأَقْوَاتِ وَالْعُلُوفَاتِ، وَحَكَّمَهُمْ فِي بِلَادِهِ، وَأَظْهَرَ الطَّاعَةَ لَهُمْ، ثُمَّ سَارُوا نَحْوَ أَنْطَاكِيَةَ، وَكَانَ فِي طَرِيقِهِمْ نَهْرٌ فَنَزَلُوا عِنْدَهُ، وَدَخَلَ مَلِكُهُمْ إِلَيْهِ لِيَغْتَسِلَ فَغَرِقَ فِي مَكَانٍ مِنْهُ لَا يَبْلُغُ الْمَاءُ وَسَطَ الرَّجُلِ وَكَفَى اللَّهُ شَرَّهُ.
وَكَانَ مَعَهُ وَلَدٌ لَهُ، فَصَارَ مَلِكًا بَعْدَهُ، وَسَارَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ، فَأَحَبَّ بَعْضُهُمُ الْعَوْدَ إِلَى بِلَادِهِ، فَتَخَلَّفَ عَنْهُ، وَبَعْضُهُمْ مَالَ إِلَى تَمْلِيكِ أَخٍ لَهُ، فَعَادَ أَيْضًا، وَسَارَ فِيمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لَهُ، فَعَرَضَهُمْ وَكَانُوا نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَوَقَعَ فِيهِمُ الْوَبَاءُ وَالْمَوْتُ، فَوَصَلُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ وَكَأَنَّهُمْ قَدْ نُبِشُوا مِنَ الْقُبُورِ.
فَتَبَرَّمَ بِهِمْ صَاحِبُهَا، وَحَسَّنَ لَهُمُ الْمَسِيرَ إِلَى الْفِرِنْجِ الَّذِينَ عَلَى عَكَّا، فَسَارُوا عَلَى جَبَلَةَ وَلَاذِقِيَّةَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَخَرَجَ أَهْلُ حَلَبَ وَغَيْرِهَا إِلَيْهِمْ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَمَاتَ أَكْثَرُ مِمَّنْ أُخِذَ، فَبَلَغُوا طَرَابُلُسَ، وَأَقَامُوا بِهَا أَيَّامًا فَكَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ، فَرَكِبُوا فِي الْبَحْرِ إِلَى الْفِرِنْجِ الَّذِينَ عَلَى عَكَّا، وَلَمَّا وَصَلُوا وَرَأَوْا مَا نَالَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ عَادُوا إِلَى بِلَادِهِمْ فَغَرِقَتْ بِهِمُ الْمَرَاكِبُ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
وَكَانَ الْمَلِكُ قَلْج أَرَسَلَانَ يُكَاتِبُ صَلَاحَ الدِّينِ بِأَخْبَارِهِمْ، وَيَعِدُهُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْعُبُورِ فِي بِلَادِهِ فَلَمَّا عَبَرُوهَا وَخَلَّفُوهَا أَرْسَلَ يَعْتَذِرُ بِالْعَجْزِ عَنْهُمْ، لِأَنَّ أَوْلَادَهُ حَكَمُوا عَلَيْهِ، وَحَجَرُوا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ.
وَأَمَّا صَلَاحُ الدِّينِ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ بِعُبُورِ مَلِكِ الْأَلْمَانِ، فَإِنَّهُ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute