وَصَارَ التَّلُّ سُتْرَةً لَهُمَا.
وَكَانَتِ الْمِيرَةُ قَدْ قَلَّتْ بِعَكَّا، فَأَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يَأْمُرُهُمْ بِإِنْفَاذِ الْأَقْوَاتِ وَاللُّحُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي الْمَرَاكِبِ إِلَى عَكَّا، فَتَأَخَّرَ إِنْفَاذُهَا، فَسَيَّرَ إِلَى نَائِبِهِ بِمَدِينَةِ بَيْرُوتَ فِي ذَلِكَ، فَسَيَّرَ بُطْسَةً عَظِيمَةً مَمْلُوءَةً مِنْ كُلِّ مَا يُرِيدُونَهُ، وَأَمَرَ مَنْ بِهَا فَلَبِسُوا مَلْبَسَ الْفِرِنْجِ وَتَشَبَّهُوا بِهِمْ وَرَفَعُوا عَلَيْهَا الصُّلْبَانَ.
فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى عَكَّا لَمْ يَشُكَّ الْفِرِنْجُ أَنَّهَا لَهُمْ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا فَلَمَّا حَاذَتْ مِينَاءَ عَكَّا أَدْخَلَهَا مَنْ بِهَا، فَفَرِحَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، وَانْتَعَشُوا وَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَتَبَلَّغُوا بِمَا فِيهَا إِلَى أَنْ أَتَتْهُمُ الْمِيرَةُ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
وَخَرَجَتْ مَلِكَةٌ مِنَ الْفِرِنْجِ مِنْ دَاخِلِ الْبَحْرِ فِي نَحْوِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ فَأُخِذَتْ بِنَوَاحِي الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأُخِذَ مَنْ مَعَهَا ثُمَّ إِنَّ الْفِرِنْجَ وَصَلَهُمْ كِتَابٌ مِنْ بَابَا، وَهُوَ كَبِيرُهُمُ الَّذِي يَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِهِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَهُمْ كَقَوْلِ النَّبِيِّينَ لَا يُخَالَفُ، وَالْمَحْرُومُ عِنْدَهُمْ مَنْ حَرَمَهُ، وَالْمُقَرَّبُ مَنْ قَرَّبَهُ، وَهُوَ صَاحِبُ رُومِيَّةَ الْكُبْرَى، يَأْمُرُهُمْ بِمُلَازَمَةِ مَا هُمْ بِصَدَدِهِ، وَيُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى جَمِيعِ الْفِرِنْجِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى نَجْدَتِهِمْ بَرًّا وَبَحْرًا، وَيُعْلِمُهُمْ بِوُصُولِ الْأَمْدَادِ إِلَيْهِمْ، فَازْدَادُوا قُوَّةً وَطَمَعًا.
ذِكْرُ خُرُوجِ الْفِرِنْجِ مِنْ خَنَادِقِهِمْ
لَمَّا تَتَابَعَتِ الْأَمْدَادُ إِلَى الْفِرِنْجِ، وَجَنَّدَ لَهُمُ الْكَنْدُ هَرِي جَمْعًا كَثِيرًا بِالْأَمْوَالِ الَّتِي وَصَلَتْ مَعَهُ عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ خَنَادِقِهِمْ وَمُنَاجَزَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَرَكُوا عَلَى عَكَّا مَنْ يَحْصُرُهَا وَيُقَاتِلُ أَهْلَهَا، وَخَرَجُوا حَادِيَ عَشَرَ شَوَّالٍ فِي عَدَدٍ كَالرَّمْلِ كَثْرَةً، وَكَالنَّارِ جَمْرَةً.
فَلَمَّا رَأَى صَلَاحُ الدِّينِ ذَلِكَ نَقَلَ أَثْقَالَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَيْمُونَ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ عَنْ عَكَّا، وَكَانَ قَدْ عَادَ إِلَيْهِ مَنْ فَرَّقَ مِنْ عَسَاكِرِهِ لَمَّا هَلَكَ مَلِكُ الْأَلْمَانِ، وَلَقِيَ الْفِرِنْجَ عَلَى تَعْبِئَةٍ حَسَنَةٍ.
وَكَانَ أَوْلَادُهُ الْأَفْضَلُ عَلِيٌّ، وَالظَّاهِرُ غَازِي، وَالظَّافِرُ [خَضِرٌ] مِمَّا يَلِي الْقَلْبَ، وَأَخُوهُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمَيْمَنَةِ، وَمَعَهُ عَسَاكِرُ مِصْرَ وَمَنِ انْضَمَّ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ فِي الْمَيْسَرَةِ عِمَادُ الدِّينِ، صَاحِبُ سِنْجَارَ، وَتَقِيُّ الدِّينِ، صَاحِبُ حَمَاةَ، وَمُعِزُّ الدِّينِ سَنْجَرْ شَاهْ صَاحِبُ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أُمَرَائِهِ.
وَاتُّفِقَ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ أَخَذَهُ مَغَسٌ كَانَ يَعْتَادُهُ، فَنَصَبَ لَهُ خَيْمَةً صَغِيرَةً عَلَى تَلٍّ مُشْرِفٍ عَلَى الْعَسْكَرِ، وَنَزَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute