ذِكْرُ وَصُولِ الْفِرِنْجِ مِنَ الْغَرْبِ فِي الْبَحْرِ إِلَى عَكَّا
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَتْ أَمْدَادُ الْفِرِنْجِ فِي الْبَحْرِ إِلَى الْفِرِنْجِ الَّذِينَ عَلَى عَكَّا، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ وَصَلَ مِنْهُمُ الْمَلِكَ فِلِيبْ، مَلِكَ إِفْرِنْسِيسَ، وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ مُلُوكِهِمْ نَسَبًا، وَإِنْ كَانَ مُلْكُهُ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَيْهَا ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكَثْرَةِ الَّتِي ظَنُّوهَا، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهُ سِتُّ بُطَسٍ كِبَارٍ عِظَامٍ، فَقَوِيَتْ بِهِ نُفُوسُ مَنْ كَانَ عَلَى عَكَّا مِنْهُمْ وَلَجُّوا فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِيهَا.
وَكَانَ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى شَفْرَعَمَ، فَكَانَ يَرْكَبُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَقْصِدُ الْفِرِنْجَ لِيَشْغَلَهُمْ بِالْقِتَالِ عَنْ مُزَاحَفَةِ الْبَلَدِ وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَمِيرِ أُسَامَةَ، مُسْتَحْفِظِ بَيْرُوتَ، يَأْمُرُهُ بِتَجْهِيزِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الشَّوَانِي وَالْمَرَاكِبِ وَتَشْحِينِهَا بِالْمُقَاتِلَةِ، وَتَسْيِيرِهَا فِي الْبَحْرِ لِيَمْنَعَ الْفِرِنْجَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى عَكَّا، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَسَيَّرَ الشَّوَانِيَ فِي الْبَحْرِ، فَصَادَفَتْ خَمْسَةَ مَرَاكِبَ مَمْلُوءَةً رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ مَلِكِ إِنْكِلْتَارَ الْفِرِنْجِ، كَانَ قَدْ سَيَّرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَأَخَّرَ هُوَ بِجَزِيرَةِ قُبْرُسَ، لِيَمْلِكَهَا، فَأَقْبَلَتْ شَوَانِي الْمُسْلِمِينَ مَعَ مَرَاكِبِ الْفِرِنْجِ، فَاسْتَظْهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، وَأَخَذُوهُمْ، وَغَنِمُوا مَا مَعَهُمْ مِنْ قُوتٍ وَمَتَاعٍ وَمَالٍ وَأَسَرُوا الرِّجَالَ.
وَكَتَبَ أَيْضًا صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى مَنْ بِالْقُرْبِ مِنَ النُّوَّابِ لَهُ يَأْمُرُهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَفَعَلُوا.
وَأَمَّا الْفِرِنْجُ الَّذِينَ عَلَى عَكَّا، فَإِنَّهُمْ لَازَمُوا قِتَالَ مَنْ بِهَا وَنَصَبُوا عَلَيْهَا سَبْعَةَ مَجَانِيقَ رَابِعَ جُمَادَى الْأُولَى، [فَلَمَّا رَأَى صَلَاحُ الدِّينِ ذَلِكَ تَحَوَّلَ مِنْ شَفْرَعَمَ، وَنَزَلَ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَتْعَبَ كُلُّ الْعَسْكَرِ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْمَجِيءِ إِلَيْهِمْ وَالْعَوْدِ عَنْهُمْ، فَقَرُبَ مِنْهُمْ. وَكَانُوا كُلَّمَا تَحَرَّكُوا لِلْقِتَالِ رَكِبَ وَقَاتَلَهُمْ مِنْ وَرَاءِ خَنْدَقِهِمْ، فَكَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِقِتَالِهِمْ، فَيَخِفَّ الْقِتَالُ عَمَّنْ بِالْبَلَدِ.
ثُمَّ وَصَلَ مَلِكُ إِنْكِلْتَارَ ثَالِثَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى] . وَكَانَ قَدِ اسْتَوْلَى فِي طَرِيقِهِ عَلَى جَزِيرَةِ قُبْرُسَ، وَأَخَذَهَا مِنَ الرُّومِ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا غَدَرَ بِصَاحِبِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute