للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَلَكَهَا جَمِيعًا: فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي مُلْكِهِ وَقُوَّةً لِلْفِرِنْجِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا سَارَ عَنْهَا إِلَى مَنْ عَلَى عَكَّا مِنَ الْفِرِنْجِ فَوَصَلَ إِلَيْهِمْ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ قِطْعَةً كِبَارًا مَمْلُوءَةً رِجَالًا وَأَمْوَالًا فَعَظُمَ بِهِ شَرُّ الْفِرِنْجِ، وَاشْتَدَّتْ نِكَايَتُهُمْ فِي الْمُسْلِمِينَ.

وَكَانَ رَجُلَ زَمَانِهِ شَجَاعَةً وَمَكْرًا وَجَلَدًا وَصَبْرًا وَبُلِيَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ بِالدَّاهِيَةِ الَّتِي لَا مِثْلَ لَهَا.

وَلَمَّا وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِوُصُولِهِ أَمَرَ صَلَاحُ الدِّينِ بِتَجْهِيزِ بُطْسَةٍ كَبِيرَةٍ مَمْلُوءَةٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالْعِدَّةِ وَالْقُوتِ، فَجُهِّزَتْ وَسُيِّرَتْ مِنْ بَيْرُوتَ، وَفِيهَا سَبْعُمِائَةِ مُقَاتِلٍ، فَلَقِيَهَا مَلِكُ إِنْكِلْتَارَ مُصَادَفَةً، فَقَاتَلَهَا، وَصَبَرَ مَنْ فِيهَا عَلَى قِتَالِهَا فَلَمَّا أَيِسُوا مِنَ الْخَلَاصِ نَزَلَ مُقَدَّمُ مَنْ بِهَا إِلَى أَسْفَلِهَا، وَهُوَ يَعْقُوبُ الْحَلَبِيُّ مُقَدَّمُ الْجُنْدَارِيَّةِ، يُعْرَفُ بِغُلَامِ ابْنِ شُقَّتَيْنِ، فَخَرَقَهَا خَرْقًا وَاسِعًا لِئَلَّا يَظْفَرَ الْفِرِنْجُ بِمَنْ فِيهَا وَمَا مَعَهُمْ مِنَ الذَّخَائِرِ، فَغَرِقَ جَمِيعُ مَا فِيهَا.

وَكَانَتْ عَكَّا مُحْتَاجَةً إِلَى رِجَالٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سَبَبِ نَقْصِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ الْفِرِنْجَ عَمِلُوا دَبَّابَاتٍ وَزَحَفُوا بِهَا [فَأَحْرَقَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَهَا وَأَخَذُوا بَعْضَهَا، ثُمَّ عَمِلُوا كِبَاشًا وَزَحَفُوا بِهَا] فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ وَقَاتَلُوهُمْ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْكِبَاشَ.

فَلَمَّا رَأَى الْفِرِنْجُ أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعَهُ لَا يَنْفَعُهُمْ عَمِلُوا تَلًّا كَبِيرًا مِنَ التُّرَابِ مُسْتَطِيلًا. وَمَا زَالُوا يُقَرِّبُونَهُ إِلَى الْبَلَدِ وَيُقَاتِلُونَ مِنْ وَرَائِهِ لَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْبَلَدِ أَذًى. حَتَّى صَارَ عَلَى نِصْفِ عُلُوِّهِ، فَكَانُوا يَسْتَظِلُّونَ بِهِ، وَيُقَاتِلُونَ مِنْ خَلْفِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ حِيلَةٌ لَا بِالنَّارِ وَلَا بِغَيْرِهَا

فَحِينَئِذٍ عَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ عَلَى مَنْ بِعَكَّا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يُعَرِّفُونَهُ حَالَهُمْ، فَلَمْ يَقْدِرْ لَهُمْ عَلَى نَفْعٍ.

ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ عَكَّا

فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، سَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، اسْتَوْلَى الْفِرِنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - عَلَى مَدِينَةِ عَكَّا، وَكَانَ أَوَّلُ وَهْنٍ دَخَلَ عَلَى مَنْ بِالْبَلَدِ أَنَّ الْأَمِيرَ سَيْفَ الدِّينِ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ الْهَكَّارِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالْمَشْطُوبِ، كَانَ فِيهَا، وَمَعَهُ عِدَّةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ كَانَ هُوَ أَمْثَلَهُمْ وَأَكْبَرَهُمْ، خَرَجَ إِلَى مَلِكِ إِفْرَنْسِيسَ وَبَذَلَ لَهُ تَسْلِيمَ الْبَلَدِ بِمَا فِيهِ عَلَى أَنْ يُطْلِقَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِيهِ، وَيُمَكِّنَهُمْ مِنَ اللَّحَاقِ بِسُلْطَانِهِمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، فَعَادَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ إِلَى الْبَلَدِ، فَوَهَنَ مَنْ فِيهِ، وَضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ، وَتَخَاذَلُوا، وَأَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ.

ثُمَّ إِنْ أَمِيرَيْنِ مِمَّنْ كَانَ بِعَكَّا، لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلُوا بِالْمَشْطُوبِ، وَأَنَّ الْفِرِنْجَ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>