يُجِيبُوا إِلَى الْأَمَانِ، اتَّخَذُوا اللَّيْلَ جَمَلًا. وَرَكِبُوا فِي شِينِيٍّ صَغِيرٍ، وَخَرَجُوا سِرًّا مِنْ أَصْحَابِهِمْ. وَلَحِقُوا بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ عِزُّ الدِّينِ أَرْسَلُ الْأَسَدِيُّ، وَابْنُ عِزِّ الدِّينِ جَاوِلِي، وَمَعَهُمْ غَيْرُهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ وَرَأَوْا ذَلِكَ ازْدَادُوا وَهْنًا إِلَى وَهْنِهِمْ. وَضَعْفًا إِلَى ضَعْفِهِمْ، وَأَيْقَنُوا بِالْعَطَبِ.
ثُمَّ إِنَّ الْفِرِنْجَ أَرْسَلُوا إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ فِي مَعْنَى تَسْلِيمِ الْبَلَدِ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَالشَّرْطُ بَيْنَهُمْ أَنْ يُطْلِقَ مِنْ أَسْرَاهُمْ بِعَدَدِ مَنْ فِي الْبَلَدِ لِيُطْلِقُوا هُمْ مَنْ بِعَكَّا، وَأَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ صَلِيبَ الصَّلَبُوتِ.
فَلَمْ يَقْنَعُوا بِمَا بَذَلَ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ بِعَكَّا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ عَكَّا يَدًا وَاحِدَةً، وَيَسِيرُوا مَعَ الْبَحْرِ، وَيَحْمِلُوا عَلَى الْعَدُوِّ حَمْلَةً وَاحِدَةً، وَيَتْرُكُوا الْبَلَدَ بِمَا فِيهِ، وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِي يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِعَسَاكِرِهِ، يُقَاتِلُ الْفِرِنْجَ فِيهَا لِيَلْحَقُوا بِهِ، فَشَرَعُوا فِي ذَلِكَ، وَاشْتَغَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاسْتِصْحَابِ مَا يَمْلِكُهُ، فَمَا فَرَغُوا مِنْ أَشْغَالِهِمْ حَتَّى أَسْفَرَ الصُّبْحُ، فَبَطَلَ مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا عَجَزَ النَّاسُ، عَنْ حِفْظِ الْبَلَدِ، وَزَحَفَ إِلَيْهِمُ الْفِرِنْجُ بِحَدِّهِمْ وَحَدِيدِهِمْ، فَظَهَرَ مَنْ بِالْبَلَدِ عَلَى سُورِهِ يُحَرِّكُونَ أَعْلَامَهُمْ لِيَرَاهَا الْمُسْلِمُونَ.
وَكَانَتْ هِيَ الْعَلَامَةَ إِذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ، فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ ضَجُّوا بِالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ، وَحَمَلُوا عَلَى الْفِرِنْجِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنِ الْفِرِنْجَ يَشْتَغِلُونَ عَنِ الَّذِينَ بِعَكَّا، وَصَلَاحُ الدِّينِ يَحُضُّهُمْ وَهُوَ فِي أَوَّلِهِمْ.
وَكَانَ الْفِرِنْجُ قَدْ زَحَفُوا مِنْ خَنَادِقِهِمْ وَمَالُوا إِلَى جِهَةِ الْبَلَدِ، فَقَرُبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ خَنَادِقِهِمْ، حَتَّى كَادُوا يَدْخُلُونَهَا عَلَيْهِمْ وَيَضَعُونَ السَّيْفَ فِيهِمْ، فَوَقَعَ الصَّوْتُ فَعَادَ الْفِرِنْجُ وَمَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ، وَتَرَكُوا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ بِالْبَلَدِ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ.
فَلَمَّا رَأَى الْمَشْطُوبُ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعٍ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ضُرًّا خَرَجَ إِلَى الْفِرِنْجِ، وَقَرَّرَ مَعَهُمْ تَسْلِيمَ الْبَلَدِ وَخُرُوجَ مَنْ فِيهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَبَذَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute