للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِائَتَيْ أَلْفَ دِينَارٍ وَخَمْسَمِائَةِ أَسِيرٍ مِنَ الْمَعْرُوفِينَ، وَإِعَادَةَ صَلِيبِ الصَّلَبُوتِ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ لِلْمَرْكِيسِ صَاحِبِ صُورَ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، وَحَلَفُوا لَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ تَكُونَ مُدَّةُ تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْأَسْرَى إِلَى شَهْرَيْنِ.

فَلَمَّا حَلَفُوا لَهُ سَلَّمَ الْبَلَدَ إِلَيْهِمْ وَدَخَلُوهُ، سِلْمًا فَلَمَّا مَلَكُوهُ غَدَرُوا وَاحْتَاطُوا عَلَى مَنْ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَحَبَسُوهُمْ، وَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِيَصِلَ إِلَيْهِمْ مَا بُذِلَ لَهُمْ، وَرَاسَلُوا صَلَاحَ الدِّينِ فِي إِرْسَالِ الْمَالِ وَالْأَسْرَى وَالصَّلِيبِ، حَتَّى يُطْلِقُوا مَنْ عِنْدَهُمْ، فَشَرَعَ فِي جَمْعِ الْمَالِ، وَكَانَ هُوَ لَا مَالَ لَهُ، إِنَّمَا يُخْرِجُ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ دَخْلِ الْبِلَادِ أَوَّلًا بِأَوَّلٍ.

فَلَمَّا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ جَمَعَ الْأُمَرَاءَ وَاسْتَشَارَهُمْ، فَأَشَارُوا بِأَنْ لَا يُرْسِلَ شَيْئًا حَتَّى يَعُودَ فَيَسْتَحْلِفَهُمْ عَلَى إِطْلَاقِ أَصْحَابِهِ، وَأَنْ يَضْمَنَ الدَّاوِيَّةُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ تَدَيُّنٍ يَرَوْنَ الْوَفَاءَ، فَرَاسَلَهُمْ صَلَاحُ الدِّينِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الدَّاوِيَّةُ: لَا نَحْلِفُ وَلَا نَضْمَنُ لِأَنَّنَا نَخَافُ غَدْرَ مَنْ عِنْدَنَا.

وَقَالَ مُلُوكُهُمْ: إِذَا سَلَّمْتُمْ إِلَيْنَا الْمَالَ وَالْأَسْرَى وَالصَّلِيبَ فَلَنَا الْخِيَارُ فِيمَنْ عِنْدَنَا فَحِينَئِذٍ عَلِمَ صَلَاحُ الدِّينِ عَزْمَهُمْ عَلَى الْغَدْرِ، فَلَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَأَعَادَ الرِّسَالَةَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: نَحْنُ نُسَلِّمُ إِلَيْكُمْ هَذَا الْمَالَ وَالْأَسْرَى وَالصَّلِيبَ، وَنُعْطِيكُمْ رَهْنًا عَلَى الْبَاقِي وَتُطْلِقُونَ أَصْحَابَنَا، وَتَضْمَنُ الدَّاوِيَّةُ الرَّهْنَ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْوَفَاءِ لَهُمْ.

فَقَالُوا: لَا نَحْلِفُ، إِنَّمَا تُرْسِلُ إِلَيْنَا الْمِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ الَّتِي حَصَّلْتَ، وَالْأَسْرَى، وَالصَّلِيبَ، وَنَحْنُ نُطْلِقُ مِنْ أَصْحَابِكُمْ مَنْ نُرِيدُ وَنَتْرُكُ مَنْ نُرِيدُ حَتَّى يَجِيءَ بَاقِي الْمَالِ، فَعَلِمَ النَّاسُ حِينَئِذٍ غَدْرَهُمْ، وَإِنَّمَا يُطْلِقُونَ غِلْمَانَ الْعَسْكَرِ وَالْفُقَرَاءَ وَالْأَكْرَادَ وَمَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، وَيُمْسِكُونَ عِنْدَهُمُ الْأُمَرَاءَ وَأَرْبَابَ الْأَمْوَالِ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ فَلَمْ يُجِبْهُمُ السُّلْطَانُ إِلَى ذَلِكَ.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعُ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، رَكِبَ الْفِرِنْجُ، وَخَرَجُوا إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ بِالْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، وَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ وَقَصَدُوهُمْ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ، فَانْكَشَفُوا عَنْ مَوْقِفِهِمْ، وَإِذَا أَكْثَرُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَى قَدْ وَضَعُوا فِيهِمُ السَّيْفَ وَقَتَلُوهُمْ، وَاسْتَبْقَوُا الْأُمَرَاءَ وَالْمُقَدَّمِينَ وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَقَتَلُوا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>