مُجْتَمِعَةٌ، لِأَنَّنَا إِنْ نَزَلْنَا فِي الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الْمَدِينَةَ بَقِيَتْ سَائِرُ الْجَوَانِبِ غَيْرَ مَحْصُورَةٍ، فَيَدْخُلُ إِلَيْهِمْ مِنْهَا الرِّجَالُ وَالذَّخَائِرُ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. وَإِنْ نَحْنُ افْتَرَقْنَا فَنَزَلَ بَعْضُنَا مِنْ جَانِبِ الْوَادِي وَبَعْضُنَا مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ.
جَمَعَ صَلَاحُ الدِّينِ عَسْكَرَهُ وَوَاقَعَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَلَمْ يُمْكِنِ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى إِنْجَادُ أَصْحَابِهِمْ، لِأَنَّهُمْ إِنْ فَارَقُوا مَكَانَهُمْ خَرَجَ مَنْ بِالْبَلَدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمُوا مَا فِيهِ، وَإِنْ تَرَكُوا فِيهِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَسَارُوا نَحْوَ أَصْحَابِهِمْ، فَإِلَى أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنَ الْوَادِي وَيَلْحَقُوا بِهِمْ يَكُونُ صَلَاحُ الدِّينِ قَدْ فَرَغَ مِنْهُمْ هَذَا سِوَى مَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْنَا مِنْ إِيصَالِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَلُوفَاتِ وَالْأَقْوَاتِ.
فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلِمُوا صِدْقَهُ، وَرَأَوْا قِلَّةَ الْمِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَمَا يَجْرِي لِلْجَالِبِينَ لَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْعَوْدِ إِلَى الرَّمْلَةِ، فَعَادُوا خَائِبِينَ خَاسِرِينَ.
ذِكْرُ قَتْلِ قُزْلَ أَرَسَلَانَ
فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ قُزَل أَرُسَلَانَ، وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ إِيلْدِكْزَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبِلَادَ، بَعْدَ وَفَاةِ أَخِيهِ الْبَهْلَوَانِ، مَلِكِ أَرَانَ، وَأَذْرَبِيجَانَ، وَهَمَذَانَ، وَأَصْفَهَانَ، وَالرَّيِّ، وَمَا بَيْنَهَا، وَأَطَاعَهُ صَاحِبُ فَارِسَ وَخُوزِسْتَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى السُّلْطَانِ طُغْرُلْ بْنِ أَرْسَلَانَ بْنِ طُغْرُلْ، فَاعْتَقَلَهُ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ، وَدَانَتْ لَهُ الْبِلَادُ.
وَفِي آخِرِ أَمْرِهِ سَارَ إِلَى أَصْفَهَانَ، وَالْفِتَنُ بِهَا مُتَّصِلَةٌ مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ الْبَهْلَوَانُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَتَعَصَّبَ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ، وَأَخَذَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِهِمْ فَصَلَبَهُمْ، وَعَادَ إِلَى هَمَذَانَ، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ بِالسَّلْطَنَةِ، وَضَرَبَ النُّوَبَ الْخَمْسَ،
ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ لَيْلَةَ قُتِلَ إِلَى مَنْزِلِهِ لِيَنَامَ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ، فَأَخَذَ أَصْحَابُهُ صَاحِبَ بَابِهِ ظَنًّا وَتَخْمِينًا، وَكَانَ كَرِيمًا حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، يُحِبُّ الْعَدْلَ وَيُؤْثِرُهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى حِلْمٍ وَقِلَّةِ عُقُوبَةٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ مُعِزُّ الدِّينِ قَيْصَرْ شَاهْ بْنُ قَلْج أَرَسَلَانَ، صَاحِبُ بِلَادِ الرُّومِ، عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ سَبَبُ قُدُومِهِ أَنَّ وَالِدَهُ عِزَّ الدِّينِ قَلْج أَرَسَلَانَ فَرَّقَ مَمْلَكَتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَأَعْطَى وَلَدَهُ هَذَا مَلَطْيَةَ، وَأَعْطَى وَلَدَهُ قُطْبَ الدِّينِ مُلْكَ شَاهْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute