الْمَرْكِيسِ بِصُورَ.
فَأَقَامَا مَعَهُمَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ يُظْهِرَانِ الْعِبَادَةَ، فَأَنِسَ بِهِمَا الْمَرْكِيسُ، وَوَثَقَ بِهِمَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ التَّارِيخِ عَمِلَ الْأُسْقُفُ بِصُورَ دَعْوَةً لِلْمَرْكِيسِ فَحَضَرَهَا، وَأَكَلَ طَعَامَهُ وَشَرِبَ مُدَامَهُ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ الْبَاطِنِيَّانِ الْمَذْكُورَانِ، فَجَرَحَاهُ جِرَاحًا وَثِيقَةً، وَهَرَبَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ كَنِيسَةً يَخْتَفِي فِيهَا، فَاتُّفِقَ أَنَّ الْمَرْكِيسَ حُمِلَ إِلَيْهَا لِيَشُدَّ جِرَاحَهُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَاطِنِيُّ فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ الْبَاطِنِيَّانِ بَعْدَهُ.
وَنَسَبَ الْفِرِنْجُ قَتْلَهُ إِلَى وَضْعٍ مِنْ مَلِكِ إِنْكِلْتَارَ لِيَنْفَرِدَ بِمُلْكِ السَّاحِلِ الشَّامِيِّ، فَلَمَّا قُتِلَ وَلِيَ بَعْدَهُ مَدِينَةَ صُورَ كَنْدٌ مِنَ الْفِرِنْجِ، مِنْ دَاخِلِ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُ الْكَنْدُ هَرِي، وَتَزَوَّجَ بِالْمَلِكَةِ فِي لَيْلَتِهِ، وَدَخَلَ بِهَا وَهِيَ حَامِلٌ، وَلَيْسَ الْحَمْلُ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَمْنَعُ النِّكَاحَ.
وَهَذَا الْكَنْدُ هَرِي هُوَ ابْنُ أُخْتِ مَلِكِ إِفْرَنْسِيسَ مِنْ أَبِيهِ، وَابْنُ أُخْتِ مَلِكِ إِنْكِلْتَارَ مِنْ أُمِّهِ، وَمَلَكَ كَنْدُ هَرِي هَذَا بِلَادَ الْفِرِنْجِ بِالسَّاحِلِ بَعْدَ عَوْدِ مَلِكِ إِنْكِلْتَارَ، وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَسَقَطَ مِنْ سَطْحٍ فَمَاتَ، وَكَانَ عَاقِلًا، كَثِيرَ الْمُدَارَاةِ وَالِاحْتِمَالِ.
وَلَمَّا رَحَلَ مَلِكُ إِنْكِلْتَارَ إِلَى بِلَادِهِ أَرْسَلَ كَنْدُ هَرِي هَذَا إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يَسْتَعْطِفُهُ، وَيَسْتَمِيلُهُ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ خِلْعَةً، وَقَالَ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لُبْسَ الْقِبَاءِ وَالشُّرْبُوشِ عِنْدَنَا عَيْبٌ، وَأَنَا أَلْبَسُهُمَا مِنْكَ مَحَبَّةٌ لَكَ، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ خِلْعَةً سُنِّيَّةً مِنْهَا الْقِبَاءُ وَالشُّرْبُوشُ، فَلَبِسَهُمَا بِعَكَّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute