للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَاءٌ كَبِيرٌ عَلَى جَبَلٍ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ لِي: هَذَا الْكَرَكُ فَوَصَلْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ عُدْتُ مِنْهُ إِلَى الْقُدْسِ سَالِمًا.

وَسَارَ هَذَا الرَّجُلُ مِنَ الْقُدْسِ سَالِمًا، فَلَمَّا بَلَغَ بُزَاعَةَ، عِنْدَ حَلَبَ، أَخَذَهُ الْحَرَامِيَّةُ فَنَجَا مِنَ الْعَطَبِ، وَهَلَكَ عِنْدَ ظَنِّهِ السَّلَامَةَ.

ذِكْرُ سَيْرِ الْأَفْضَلِ وَالْعَادِلِ إِلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ

قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَوْتِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ [أَخِي] صَلَاحِ الدِّينِ، وَاسْتِيلَاءِ وَلَدِهِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ عَلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا أَرْسَلَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يَطْلُبُ تَقْرِيرَهَا عَلَيْهِ، مُضَافًا إِلَى مَا كَانَ لِأَبِيهِ بِالشَّامِ، فَلَمْ يَرَ صَلَاحُ الدِّينِ أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ تُسَلَّمُ إِلَى صَبِيٍّ، فَمَا أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالِامْتِنَاعِ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْفِرِنْجِ.

فَطَلَبَ الْأَفْضَلُ عَلِيُّ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَا كَانَ لِتَقِيِّ الدِّينِ، وَيَنْزِلَ عَنْ دِمَشْقَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا، فَسَارَ إِلَى حَلَبَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَكَتَبَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى أَصْحَابِ الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ، مِثْلَ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَصَاحِبِ سِنْجَارَ، وَصَاحِبِ الْجِزْيَةِ، وَصَاحِبِ دِيَارِ بَكْرٍ، وَغَيْرِهَا، يَأْمُرُهُمْ بِإِنْفَاذِ الْعَسَاكِرِ إِلَى وَلَدِهِ الْأَفْضَلِ.

فَلَمَّا رَأَى وَلَدُ تَقِيِّ الدِّينِ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا قُوَّةَ لَهُ بِهِمْ، فَرَاسَلَ الْمَلِكَ الْعَادِلَ [أَبَا بَكْرِ بْنَ أَيُّوبَ] عَمَّ أَبِيهِ، يَسْأَلُهُ إِصْلَاحَ حَالِهِ مَعَ صَلَاحِ الدِّينِ، فَأَنْهَى ذَلِكَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، وَأَصْلَحَ حَالَهُ، وَقَرَّرَ قَاعِدَتَهُ بِأَنْ يُقَرِّرَ لَهُ مَا كَانَ لِأَبِيهِ بِالشَّامِ، وَتُؤْخَذَ مِنْهُ الْبِلَادُ الْجَزَرِيَّةُ، وَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَقْطَعَ صَلَاحُ الدِّينِ الْبِلَادَ الْجَزَرِيَّةَ، وَهِيَ حَرَّانُ، وَالرُّهَا وَسُمَيْسَاطُ، وَمَيَّافَارِقِينَ، وَحَانِي الْعَادِلَ، وَسَيَّرَهُ إِلَى ابْنِ تَقِيِّ الدِّينِ لِيَتَسَلَّمَ مِنْهُ الْبِلَادَ، وَيُسَيِّرَهُ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، وَيُعِيدَ الْمَلِكَ الْأَفْضَلَ أَيْنَ أَدْرَكَهُ، فَسَارَ الْعَادِلُ فَلَحِقَ الْأَفْضَلَ بِحَلَبَ، فَأَعَادَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَعَبَرَ الْعَادِلُ الْفُرَاتَ، وَتَسَلَّمَ الْبِلَادَ مِنِ ابْنِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَجَعَلَ نُوَّابَهُ فِيهَا، وَاسْتَصْحَبَ ابْنَ تَقِيِّ الدِّينِ مَعَهُ، وَعَادَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ بِالْعَسَاكِرِ، وَكَانَ عَوْدُهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

ذِكْرُ عَوْدِ الْفِرِنْجِ إِلَى عَكَّا

لَمَّا عَادَ الْمَلِكُ الْأَفْضَلُ فِيمَنْ مَعَهُ، وَعَادَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ، وَابْنُ تَقِيِّ الدِّينِ فِيمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>