للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهُمَا مِنْ عَسَاكِرِهِمَا، وَلَحِقَتْهُمُ الْعَسَاكِرُ الشَّرْقِيَّةُ، عَسْكَرُ الْمَوْصِلِ وَعَسْكَرُ دِيَارِ بَكْرٍ، وَعَسْكَرُ سِنْجَارَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ، وَاجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ بِدِمَشْقَ أَيْقَنَ الْفِرِنْجُ أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهَا، إِذَا فَارَقُوا الْبَحْرَ، فَعَادُوا نَحْوَ عَكَّا يُظْهِرُونَ الْعَزْمَ عَلَى قَصْدِ بَيْرُوتَ وَمُحَاصَرَتِهَا.

فَأَمَرَ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَدَهُ الْأَفْضَلَ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهَا فِي عَسْكَرِهِ، وَالْعَسَاكِرِ الشَّرْقِيَّةِ جَمِيعِهَا، مُعَارِضًا لِلْفِرِنْجِ فِي مَسِيرِهِمْ نَحْوَهَا فَسَارَ إِلَى مَرْجِ الْعُيُونِ، وَاجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ مَعَهُ فَأَقَامَ هُنَالِكَ يَنْتَظِرُ مَسِيرَ الْفِرِنْجِ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ أَقَامُوا بِعَكَّا وَلَمْ يُفَارِقُوهَا.

ذِكْرُ مُلْكِ صَلَاحِ الدِّينِ يَافَا

لَمَّا رَحَلَ الْفِرِنْجُ نَحْوَ عَكَّا كَانَ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ عَسْكَرُ حَلَبَ وَغَيْرُهُ، فَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ يَافَا، وَكَانَتْ بِيَدِ الْفِرِنْجِ، فَنَازَلَهَا وَقَاتَلَ مَنْ بِهَا مِنْهُمْ، وَمَلَكَهَا فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ بِالسَّيْفِ عَنْوَةً، وَنَهَبَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَغَنِمُوا مَا فِيهَا، وَقَتَلُوا الْفِرِنْجَ وَأَسَرُوا كَثِيرًا، وَكَانَ بِهَا أَكْثَرُ مَا أَخَذُوهُ مِنْ عَسْكَرِ مِصْرَ وَالْقَفَلِ الَّذِي كَانَ مَعَهُمْ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ.

وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَمَالِيكِ الصَّلَاحِيَّةِ قَدْ وَقَفُوا عَلَى أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ، وَكُلُّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجُنْدِ وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَخَذُوهُ مِنْهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ ضَرَبُوهُ وَأَخَذُوا مَا مَعَهُ قَهْرًا، ثُمَّ زَحَفَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَى الْقَلْعَةِ، فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا آخِرَ النَّهَارِ، وَكَادُوا يَأْخُذُونَهَا، فَطَلَبَ مَنْ بِالْقَلْعَةِ الْأَمَانَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.

وَخَرَجَ الْبَطْرَكُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَهُمْ، وَمَعَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَكَابِرِ الْفِرِنْجِ، فِي ذَلِكَ وَتَرَدَّدُوا، وَكَانَ قَصْدُهُمْ مَنْعَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْقِتَالِ، فَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ، وَوَاعَدُوا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوا بُكْرَةَ غَدٍ وَيُسَلِّمُوا الْقَلْعَةَ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ طَالَبَهُمْ صَلَاحُ الدِّينِ بِالنُّزُولِ عَنِ الْحِصْنِ، فَامْتَنَعُوا، وَإِذَا قَدْ وَصَلَهُمْ نَجْدَةٌ مِنْ عَكَّا، وَأَدْرَكَهُمْ مَلِكُ إِنْكِلْتَارَ، فَأَخْرَجَ مَنْ بِيَافَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَتَاهُ الْمَدَدُ مِنْ عَكَّا وَبَرَزَ إِلَى ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ، وَاعْتَرَضَ الْمُسْلِمِينَ وَحْدَهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَوَقَفَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَاسْتَدْعَى طَعَامًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَ فَأَكَلَ.

فَأَمَرَ صَلَاحُ الدِّينِ عَسْكَرَهُ بِالْحَمْلَةِ عَلَيْهِمْ، وَبِالْجِدِّ فِي قِتَالِهِمْ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بَعْضُ أُمَرَائِهِ يُعْرَفُ بِالْجَنَاحِ، وَهُوَ أَخُو الْمَشْطُوبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْهَكَّارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا صَلَاحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>