الْمُقَاتِلَةِ. فَكَانُوا سِتَّمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ مَا عَادَ مِنْهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدٌ، بَعْضُهُمْ قَتَلْتَهُ أَنْتَ، وَبَعْضُهُمْ مَاتَ، وَبَعْضُهُمْ غَرِقَ.
وَلَمَّا انْفَصَلَ أَمْرُ الْهُدْنَةِ أَذِنَ صَلَاحُ الدِّينِ لِلْفِرِنْجِ فِي زِيَارَةِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ فَزَارُوهُ، وَتَفَرَّقُوا وَعَادَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ إِلَى بِلَادِهَا، وَأَقَامَ بِالسَّاحِلِ الشَّامِيِّ مَلِكًا عَلَى الْفِرِنْجِ وَالْبِلَادِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. الْكَنْدُ هَرِي، وَكَانَ خَيِّرَ الطَّبْعِ، قَلِيلَ الشَّرِّ، رَفِيقًا بِالْمُسْلِمِينَ، مُحِبًّا لَهُمْ تَزَوَّجَ بِالْمَلِكَةِ الَّتِي كَانَتْ تَمْلِكُ بِلَادَ الْفِرِنْجِ، قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا صَلَاحُ الدِّينِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَأَمَّا صَلَاحُ الدِّينِ فَإِنَّهُ بَعْدَ تَمَامِ الْهُدْنَةِ سَارَ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَأَمَرَ بِإِحْكَامِ سُورِهِ [وَأَدْخَلَ فِي السُّورِ كَنِيسَةَ صَهْيُونَ، وَكَانَتْ خَارِجَةً عَنْهُ بِمِقْدَارِ رَمْيَتِي سَهْمٍ] ، وَعَمِلَ الْمَدْرَسَةَ وَالرِّبَاطَ وَالْبَيْمَارَسْتَانَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَقَّفَ عَلَيْهَا الْوُقُوفَ، وَصَامَ رَمَضَانَ بِالْقُدْسِ، وَعَزَمَ عَلَى الْحَجِّ وَالْإِحْرَامِ مِنْهُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، فَسَارَ عَنْهُ خَامِسَ شَوَّالٍ نَحْوَ دِمَشْقَ، وَاسْتَنَابَ بِالْقُدْسِ أَمِيرًا اسْمُهُ جُورْدِيكْ، وَهُوَ مِنَ الْمَمَالِيكِ النُّورِيَّةِ.
وَلَمَّا سَارَ عَنْهُ جَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَنَابُلُسَ، وَطَبَرِيَّةَ، وَصَفَدَ، وَتِبْنِينَ، وَقَصَدَ بَيْرُوتَ، وَتَعَهَّدَ هَذِهِ الْبِلَادَ، وَأَمَرَ بِإِحْكَامِهَا.
فَلَمَّا كَانَ فِي بَيْرُوتَ أَتَاهُ بَيْمُنْدُ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ وَأَعْمَالِهَا، وَاجْتَمَعَ بِهِ وَخَدَمَهُ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَعَادَ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمَّا عَادَ رَحَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى دِمَشْقَ، فَدَخَلَهَا فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ، وَكَانَ يَوْمُ دُخُولِهِ إِلَيْهَا يَوْمًا مَشْهُودًا، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ فَرَحًا عَظِيمًا لِطُولِ غَيْبَتِهِ، وَذَهَابِ الْعَدُوِّ عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ.
ذِكْرُ وَفَاةِ قَلْج أَرَسَلَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، مُنْتَصَفَ شَعْبَانَ، تُوَفِّي الْمَلِكُ قَلْج أَرْسَلَانَ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ قَلْج أَرْسَلَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَلْمِشْ بْنِ سَلْجُوقَ السَّلْجُوقِيُّ بِمَدِينَةِ قُونِيَّةَ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْبِلَادِ قُونِيَّةُ وَأَعْمَالُهَا، وَأَقْصَرَا، وَسِيوَاسَ، وَمَلَطْيَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنِ الْبِلَادِ.
وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ نَحْوَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ ذَا سِيَاسَةٍ حَسَنَةٍ، وَهَيْبَةٍ عَظِيمَةٍ، وَعَدْلٍ وَافِرٍ، وَغَزَوَاتٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute